للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل ينضم لحزب إسلامي في بلد علماني؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لدينا حزب سياسي إسلامي في بلادنا، شعاره هو إقامة الإسلام في البلاد، من خلال الحصول على الحقوق القانونية لممارسة السلطة في البلاد، وكوني من أبناء هذا البلد الذي لا يكاد يوجد فيه شخص يتبع الإسلام، والمحرمات تنتشر بسبب نقص الإيمان لدى الأحزاب السياسية الأخرى ولدى معظم الناس، فهل في هذا الوضع يكون فرضا أن ننضم إلى هذا الحزب السياسي الإسلامي الذي يعطي الأمل بأنه إذا أيدناه وانضممنا إليه فإنه بذلك يمكن إقامة الإسلام، هذا مع العلم بأن أسرتي تمنعني من الانضمام إلى هذا الحزب، ولكن فلسفة الحزب تشدني إليه، أرجو النصيحة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أوجب الإسلام على أتباعه أن يكونوا مجتمعين على الحق، وحذَّرهم من الفرقة، وأخبرهم التنازع والتفرق بعد العلم بالحق هو سبيل غير المسلمين، وهو كفيل بإحداث الفشل وذهاب القوة، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة المنال من المتربصين بالإسلام.

قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) آل عمران/١٠٣.

وقال ابن كثير - رحمه الله -:

وقوله: (وَلا تَفَرَّقُوا) : أمَرَهُم بالجماعة، ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديثُ المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح مسلم من حديث سُهَيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا، يَرْضى لَكُمْ: أنْ تَعْبدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاهُ اللهُ أمْرَكُمْ؛ وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وإِضَاعَةَ الْمَالِ) ، وقد ضُمِنتْ لهم العِصْمةُ عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضًا، وخِيفَ عليهم الافتراق، والاختلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومُسَلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

" تفسير ابن كثير " (٢ / ٨٩، ٩٠) .

وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران /١٠٤،١٠٥.

ثانياً:

لا يجوز للمسلم الانضمام إلى الأحزاب المخالفة للدين أو المحاربة له، كالأحزاب العلمانية أو القومية أو الشيوعية؛ لأن في الانضمام إليهم إقراراً بضلالهم وكفرهم، وتكثيراً لسوادهم.

قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/١٥٣.

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) الأنعام/١٥٩.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:

يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم، أي: شتتوه وتفرقوا فيه، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيباً من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئاً، كاليهودية، والنصرانية، والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئاً ويجعله دينه، ويدع مثله، أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة.

ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية.

وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال: (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي: لست منهم، وليسوا منك؛ لأنهم خالفوك وعاندوك.

(إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ) يرِدون إليه، فيجازيهم بأعمالهم، (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) .

" تفسير السعدي " (ص ٢٨٢) .

ثالثاً:

لا مانع للمسلمين من إقامة جمعيات خيرية وإصلاحية لتقوم بالدعوة إلى الله من خلالها، أو بأعمال الخير عموماً، على أن لا يكون تعصب للاسم أو للآراء بما يحدث فرقة في صف المسلمين.

رابعاً:

لا يجوز للمسلمين تكوين أحزاب وجماعات تقوم على التعصب لآرائها، والتحزب لقياداتها؛ لما في ذلك من الوقوع في التفرق الذي نهينا عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

وليس للمعلِّمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .

وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ايريده، وموالاة مَن يواليه، ومعاداة مَن يعاديه، بل من فعل هذا: كان من جنس " جنكيزخان " وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا والي، ومن خالفهم عدوّاً باغي، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله، ويحرموا ما حرم الله ورسوله، ويرْعَوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله.

" مجموع الفتاوى " (٢٨ / ١٥، ١٦) .

وقال – رحمه الله -:

ومن حالف شخصاً على أن يوالي مَن والاه، ويعادي من عاداه: كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان! ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان، ولكن يحسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله، وتعاون على البر والتقوى، ولا تعاون على الإثم والعدوان، وإذا كان الحق معي نصرتَ الحق، وإن كنتُ على الباطل: لم تنصر الباطل، فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا.

" مجموع الفتاوى " (٢٨ / ٢٠، ٢١) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

أما الانتماءات إلى الأحزاب المحدثة: فالواجب تركها , وأن ينتمي الجميع إلى كتاب الله وسنَّة رسوله , وأن يتعاونوا في ذلك بصدق وإخلاص , وبذلك يكونون من حزب الله الذي قال الله فيه سبحانه في آخر سورة المجادلة (أََلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بعدما ذكر صفاتهم العظيمة في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية.

ومن صفاتهم العظيمة: ما ذكره الله عز وجل في سورة الذاريات في قول الله عز وجل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) فهذه صفات حزب الله لا يتحيزون إلى غير كتاب الله والسنَّة، والدعوة إليها، والسير على منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان.

فهم ينصحون جميع الأحزاب وجميع الجمعيات ويدعونهم إلى التمسك بالكتاب والسنة , وعرْض ما اختلفوا فيه عليهما فما وافقهما أو أحدهما فهو المقبول وهو الحق , وما خالفهما وجب تركه.

ولا فرق في ذلك بين جماعة الإخوان المسلمين , أو أنصار السنة والجمعية الشرعية , أو جماعة التبليغ أو غيرهم من الجمعيات والأحزاب المنتسبة للإسلام، وبذلك تجتمع الكلمة ويتحد الهدف ويكون الجميع حزباً واحداً يترسم خُطا أهل السنة والجماعة الذين هم حزب الله وأنصار دينه والدعاة إليه.

ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر.

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (٧ / ١٧٧، ١٧٨) .

خامساً:

إذا كان المسلم في بلد علماني كافر، ووُجِد حزب يدعو إلى الإسلام، أو يساهم في تثبيت الدين عند المسلمين، ويسعى للحفاظ على هويتهم واعتقادهم: فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يخذله، بل يُنصر ويُعان بالمستطاع، فإن لم يستطع المسلم مساندته إلا بالانتساب إليه: فلا مانع من ذلك، مع ضرورة التنبه لما قلناه من عدم التعصب والتحزب.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله، في كلامه على فوائد قصة شعيب، في سورة هود، عليهما السلام:

" ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان.

فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم؛ نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة، والله أعلم "

تفسير ابن سعدي (٣٨٨) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:

هل يجوز إقامة أحزاب إسلامية في دولة علمانية، وتكون الأحزاب رسمية ضمن القانون، ولكن غايتها غير ذلك، وعملها الدعوي سري؟ .

فأجابوا:

يشرع للمسلمين المبتلين بالإقامة في دولة كافرة أن يتجمعوا ويترابطوا ويتعاونوا فيما بينهم، سواء كان ذلك باسم أحزاب إسلامية أو جمعيات إسلامية؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٣ / ٤٠٧، ٤٠٨) .

سادساً:

نرى لك ولغيرك أن تنصر الحزب الإسلامي دون الانتساب إليه؛ لما بيَّناه سابقاً من وجود محاذير في التحزب؛ ويمكنك أن تنصر الحق الذي عندهم من غير انتساب، فتكون حققت الأمرين معاً: عدم التحزب، والاستجابة لمطلب أهلك، فإن كان يمنع بالقانون نصرتهم إلا بالانتساب لهم: فنرى أن تحاول إقناع أهلك بأن انتسابك هو لمصلحة الإسلام والمسلمين، فإن أبوا، ولم يمكنك أن تخفي انتسابك لهذا الحزب عنهم، وكنت في بيتهم وتحت طاعتهم: فالذي نراه لك عدم الانتساب لذلك الحزب، وأما إن كنت منفصلاً عنهم: فلا تأثم إن لم تستجب لمطلبهم، إن شاء الله.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>