للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة التراويح للمسافر

[السُّؤَالُ]

ـ[لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل، الذي مدح الله أهله بقوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/١٧، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا.

قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (١/٣١١) .

وقد روى البخاري (٩٤٥) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) .

وروى البخاري (١٠٣٤) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) .

والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو: راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم.

روى مسلم في صحيحه (١١١٢) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي: يصلون الراتبة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) .

وَقَوْله: (وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت) مَعْنَاهُ: لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة.

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا؟ (وهم يقصرون الصلاة) .

فأجابوا: "قيام رمضان سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٧/٢٠٦) .

والحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>