يريد زوجها الانتقال قريبا من أهله في محل تكثر فيه البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ ٥ سنوات من شخص ملتزم جداً وتقي والحمد لله مشكلتي معه في مكان السكن الذي نفكر فيه في المستقبل، فنحن الآن في بريطانيا ليكمل زوجي دراسته وبسبب الأوضاع في العراق لا نستطيع الرجوع، ولكن دوماً يحدث بيننا مشاكل في مكان السكن فهو يريد السكن بجوار أهله وبسكن مستقل، وأريد أنا أن اسكن في العاصمة التي تبعد ساعة عن أهله، وقد قلت له ولأهله في بداية الخطبة لن أعيش لأني لا أستطيع التعود والعيش في مثل هذه المناطق، ولم يعترض أحد على ذلك، بالعكس رحبوا ولكن الآن تغير زوجي بسبب كثرة البعد عن أهله، واشتياقه لهم، ولكني لا أستطيع نهائياً أن أتحمل ولو بتفكير أن أعيش في تلك المناطق، كونها شيعية على الأغلب ونحن سنة، وزوجي سني، وبسبب ذلك وبسبب الأوضاع في العراق أصبح التعايش مع هذه الطائفة الشيعية تسبب المشاكل، فقلت له: أصبحت قناعتي في العاصمة وبمنطقة سنية ازدادت أكثر وأكثر، فلا أستطيع تحمل خسارة زوجي ونشوب المشاكل دوماً، وكذلك بسبب أن هذه المناطق لا تناسبني كمعيشة فإني متعودة على حياة المدينة التي تتوفر فيها معيشة افضل له كطبيب، ولي ولأطفالي وكحرية في تطبيق الدين، وسبل الدعوة إلى الله تكون أكبر وأفضل كوننا نكون في منطقة سنية، وبسبب عناد زوجي اضطر أن أقول له لن أذهب إلى منطقة أهلك لا أتحمل العيش فيها لأنه يحتد النقاش بيننا وهو عندما يراني يصر يقول عندما أرى الأنسب لنا عليك أن تذهبي معي وتطيعيني ولكنه في قرارة نفسه يرى أن العاصمة افضل له كمذهبه السني فهل إذا عصيته في هذا الأمر أكون عاصية أو مذنبة فو الله، إني أعيش هنا في بريطانيا ولم أتحمل العيش فيها بالرغم ما فيها من ترف وراحة بسبب كونها دولة كفر وهذه نفس مشاعري في منطقة أهله فهي تعتبر ريفية ومنذ كنا صغار لم أرها ولا نستطيع حتى التعايش مع أهلها فهل أنا مخطئة أم لا؟ وما هي الطريقة السليمة لإقناع زوجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يلزم الزوجة السكن والانتقال مع زوجها إلى حيث يريد، ما لم يكن في ذلك ضرر معتبر عليها، أو كانت قد اشترطت عند زواجها ألا تسكن في مكان معين أو لا ينقلها من بلدها، فيلزم الوفاء بالشرط؛ لما روى البخاري (٢٧٢١) ومسلم (١٤١٨) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (١٣٥٢) وأبو داود (٣٥٩٤) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك: أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة , أحدها: ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته , مثل: أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها , أو لا يتزوج عليها , فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص , ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وجابر بن زيد , وطاوس , والأوزاعي , وإسحاق " انتهى من "المغني" (٩/٤٨٣) .
فإذا كنت عند الخطبة قد صرحت بأنك لن تعيشي في قرية زوجك وقد قَبِلَ ذلك، فليس له أن يجبرك على الانتقال إليها.
ثانياً:
ينبغي أن يتعاون الزوجان في اختيار المكان المناسب لهما ولأولادهما، وأن ينظرا في المصالح والمفاسد، وأن يتطاوعا في ذلك؛ لما في ذلك من سعادتهما وراحة بالهما.
وينبغي أن تقدري ما ذكرت من اشتياق زوجك لأهله، فربما كان كلامه مجرد خواطر يبعث عليها هذا الشوق، فلا ينبغي أن تجادليه في هذه المسألة حتى يعزم فعلا على الانتقال ويتهيأ لذلك.
ولاشك أن الزوج يحب أن تكون زوجته مستعدة للبقاء معه في أي مكان يختاره، وقد يكون نسي كلامك عند الخطبة، أو لم يره ملزما له، وقد يكون جدالك معه سبباً لتمسكه برأيه، فاحرصي على تجنب لخلاف حول هذه المسألة؛ لأنه لا جدوى من ذلك الآن، وقد تتغير الأمور في المستقبل، وينصرف زوجك عن رأيه من تلقاء نفسه.
ثالثاً:
لا شك أن السكن في مناطق الأمن، وبين أهل السنة مرجّح على السكن في أماكن الخوف والقلق أو بين أهل البدعة، لما في ذلك من آثار على الإنسان ودعوته وعمله ثم على أهله وأولاده في مدارسهم وعلاقاتهم ومعايشهم.
وقد أوجب بعض أهل العلم الهجرة من المكان الذي توجد فيه البدعة ويُسب فيه السلف.
قال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله في أنواع الهجرة: " الثاني: الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيها السلف. وهذا صحيح، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه، قال الله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام /٦٨" انتهى من "أحكام القرآن لابن العربي" (١/٦١٢) ونقله القرطبي في تفسيره (٥/٣٣٠) .
وإذا تعارضت مصلحة القرب من الأهل، مع مصلحة الأمن وإظهار الدين وسلامة الأبناء، اختار الإنسان ما فيه المصلحة الكبرى؛ لأن قاعدة الشريعة: جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
ونحمد الله أنكما تنطلقان معا لتحقيق ما تريانه من الخير والمصلحة، ولهذا ينبغي أن تحذرا كيد الشيطان ومكره وحرصه على إيجاد الخلاف والشحناء.
نسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير وطاعة وبر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب