اذا تعارضت يمين الأم مع يمين الأب فمن يقدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم اذا تعارضت يمين أمي مع يمين أبي؟ هل أبر بيمين أمي أم بيمين أبي؟ وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف؛ للأدلة الآمرة بذلك، كقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/٢٣، ٢٤
وقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/٣٦
فإذا تعارض بر الأب مع بر الأم، فالجمهور على أن الأم مقدمة في البر، وحكي ذلك إجماعا.
والأصل في ذلك: ما وروى البخاري (٥٩٧١) ومسلم (٢٥٤٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) ؛ فجعل للأم ثلاثة أمثال ما للأب.
قال الصنعاني رحمه الله: " وأما إذا تعارض حق الأب وحق الأم: فحق الأم مقدم؛ لحديث البخاري: قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي قال أمك ثلاث مرات ثم قال أبوك؛ فإنه دل على تقديم رضا الأم على رضا الأب.
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب , قال: وكأن ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع.
قلت: وإليه الإشارة بقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها) ومثلها (حملته أمه وهنا على وهن) .
قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل على الأب في البر، ونقل الحارث المحاسبي الإجماع على هذا " انتهى. من "سبل السلام" (٢/٦٣٢) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (٨/ ٦٨) : " فإن تعارضا فيه , بأن كان في طاعة أحدهما معصية الآخر. فإنه ينظر:
إن كان أحدهما يأمر بطاعة والآخر يأمر بمعصية , فإن عليه أن يطيع الآمر بالطاعة منهما دون الآمر بالمعصية , فيما أمر به من معصية. لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، وعليه أن يصاحبه بالمعروف للأمر بذلك في قوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) ، وهي وإن كانت نزلت في الأبوين الكافرين , إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما إن تعارض برهما في غير معصية , وحيث لا يمكن إيصال البر إليهما دفعة واحدة , فقد قال الجمهور: طاعة الأم مقدمة ; لأنها تفضل الأب في البر.
وقيل: هما في البر سواء , فقد روي أن رجلا قال لمالك: والدي في السودان , كتب إلي أن أقدم عليه , وأمي تمنعني من ذلك , فقال له مالك: أطع أباك ولا تعص أمك! يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده , ولو بأخذها معه , ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه.
وروي أن الليث حين سئل عن المسألة بعينها قال: أطع أمك , فإن لها ثلثي البر ... ونقل المحاسبي الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب