هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى جواز فعل أي عبادة وهبة ثوابها للأموات، وذهب آخرون إلى أنه يقتصر على ما ورد به النص من العبادات.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما هي الأشياء التي يَنتفع بها الميت من قبَل الأحياء؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية؟ نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل، أفتونا بارك الله فيكم.
فأجاب: " ينتفع الميت من الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية، كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته.
وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت، والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل، ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم /٣٩، والله أعلم "
" المنتقى " (٢ / ١٦١) .
وأما بخصوص الوالدين: فإن الشرع جعل الولد من كسب أبيه.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) . رواه ابن ماجه (٢٤٢) ، وصححه ابن خزيمة (٤ / ١٢١) وحسَّنه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (١ / ١٨) .
قال السندي – في حاشيته على "سنن ابن ماجه ":
" عَدُّ الولد الصالح من العمل والتعليم حسنٌ؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: (إِنَه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شيءٌ؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم /٣٩، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) - رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الشيخ رحمه الله بشواهده – " انتهى.
"أحكام الجنائز" (ص ١٢٦، ٢١٧) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا؟
فأجاب: " الأعمال هي: برهما في حياتهما، والإحسان إليهما بالقول والعمل، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما، والكلام الطيب معهما وخدمتهما؛ لقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء / ٢٣، خصوصًا في كبرهما، أما بعد الممات: فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء، والصدقة لهما، والحج والعمرة عنهما، وقضاء الديون التي في ذمتهما، وصلة الرحم المتعلقة بهما، وكذلك برُّ صديقهما، وتنفيذ وصاياهما المشروعة " انتهى.
" المنتقى " (٢/١٦٢) .
ثانيا ً:
وأما بخصوص اعتكاف النساء: فإن الاعتكاف مستحب للرجال والنساء، ولكن ينبغي تقييده في حق النساء بأن يكون بإذن أهلها أو زوجها، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في اعتكافها فتنة: فإنها لا تمكن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة.
والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء: اعتكاف زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وبعد مماته، لكن إن خيف فتنة: فإنها تمنع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منع فيما دون ذلك، فإنه لما أراد أن يعتكف صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات يوم، وإذا خباء لعائشة، وخباء لفلانة، وخباء لفلانة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (آلبر يرِدْن؟!) ثم أمر بنقضها، ولم يعتكف تلك السنة، وقضاه في شوال، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة: فإنها تمنع من باب أولى " انتهى.
"الشرح الممتع" (٦/٥١٠، ٥١١) .
والخلاصة: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة عن نفسه، قبل انقضاء أجله، وانقطاع عمله. وسيكون لوالديه نصيب من أجور هذه الأعمال من غير أن تنقص أجور أولادهم، والاعتكاف من الأعمال الصالحة، ومن المرأة لا بدَّ أن يون وفق ضوابط وشروط كما في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب