للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نذرت أن تتصدق بمال لو رزقت بطفل

[السُّؤَالُ]

ـ[ماذا لو نوت زوجتي فعل عمل خير، مثل: لو نذرت أن تتصدق بقدر من المال لإطعام الفقراء إن رزقت بطفل، فهل هذا جائز أم أن في هذا ما يشبه فعل الهندوس من تقديم القرابين؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ليس تقديم القرابين مما يختص به الهندوس، حتى يكون فاعله متشبهاً بهم، بل لم يزل المؤمنون الموحدون يقدمون القرابين لله، شكراً على نعمه، وابتغاء مرضاته، ففي قصة ابني آدم يقول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) المائدة/٢٧.

فإذا كان الهندوس يقربون القرابين لألهتهم - وهي كثيرة، ذكوراً وإناثاً - فإن المسلمين يقدمون القرابين لله الواحد الأحد.

ثانياً:

إذا كانت زوجتك قد تلفظت بالنذر، فإذا رُزقت بطفل وجب عليها الوفاء بالنذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (٦٦٩٦) .

أما إذا كانت زوجتك قد نوت الصدقة فقط، ولم تتلفظ فهذا لا يعتبر نذراً، لأن النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل لابد من اللفظ، وحينئذٍ تكون مخيرة في هذه الصدقة، فإن شاءت تصدقت، وإن شاءت لم تتصدق.

قال النووي في "المجموع" (٨/٤٣٥) :

"هَلْ النذر يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ , وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا" انتهى باختصار.

وقال المرداوي في "الإنصاف" (١١/١١٨) :

"وَلَا يَصِحُّ – يعني النذر - إلَّا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ: لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ" انتهى.

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل نوى بقلبه أن يصوم سبعة أيام متواليات، ولم يستطع الإكمال، فهل عليه شيء؟

فأجابوا:

"النذر لا ينعقد إلا بالتلفظ به قاصداً له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) متفق على صحته. فمن نوى النذر ولم يتلفظ به فإنه لا يلزمه شيء" انتهى.

"فتاوى اللجنة" (٢٣/٣٠٢-٣٠٣) .

ثالثاً:

ينبغي للمسلم إذا أراد أن يعبد الله تعالى بالصدقة أو غيرها أن يفعل ذلك بلا نذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر.

روى البخاري (٦٦٠٨) ومسلم (١٦٣٩) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة، وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيراً ندم، وربما لم يفعل.

ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/٥٣؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر، قال الله تعالى: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/٥٣ أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه.

ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضاً خصوصاً النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل.

والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى.

"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (٩/٢٤٢) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>