للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل حجت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بدون محرم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم حججن أكثر من مرة بعد وفاته، فهل يمكن لهذا أن يكون دليلا على جواز حج المرأة بدون محرم ولكن مع مجموعة نساء معهم محارمهم؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الصحيح من أقوال أهل العلم هو مذهب الحنفية والحنابلة القائلين بعدم جواز سفر المرأة للحج أو غيره من غير محرم؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِر الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (١٨٦٢) ومسلم (١٣٤١) .

وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة: (٣٠٩٨) و (٣٤٣٨٠) و (٤٧٠٢٩) .

إلا أن بعض أهل العلم كالشافعية، والمالكية، وبعض السلف، قالوا بجواز سفر المرأة للحج من غير محرم إذا وجدت الرفقة المأمونة.

واستدلوا بما ذكره السائل من أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حججن من غير محرم، وذلك فيما أخرجه البخاري رحمه الله (١٨٦٠) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.

وللعلماء أصحاب القول الأول عدة أجوبة على هذا الاستدلال، فمن ذلك:

١. قالوا: ليس في الحديث أنه لم يكن معهن محرم، فلعل محارمهن كانوا معهن في قافلة الحج نفسها، وبعثُ عمرَ بنِ الخطاب معهنَّ عثمانَ بن عفان وعبدَ الرحمن بن عوف زيادةٌ في الإكرام والاطمئنان، ولا يُظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير محرم، خاصة وقد جاء في بعض الروايات – وإن كان في سندها مقال – ما يدل على وجود محارمهن.

فقد روى ابن الجوزي في " المنتظم " في حوادث سنة (٢٣ هـ) عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا: حجَّ عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم معهن أولياؤهن ممَنْ لا تحتجبن منه، وجعل في مقدم قطارهن: عبد الرحمن بن عوف، وفي مؤخره: عثمان بن عفان.. الخ.

ثم إنه يبعد جدا ألا يكون معهن أحد من محارمهن، مع كثرة المسافرين للحج معهن من المدينة، فالغالب أنه لن يخلو الأمر من أخ أو جد أو خال أو عم أو أحد المحارم من الرضاعة، وقد كانت الرضاعة كثيرة في ذلك الوقت.

٢. ثم على فرض أنه لم يكن معهن محرم: فهو اجتهاد منهن، ومعلوم أن اجتهاد الصحابي لا يُقبل إذا خالف نصّاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الصنعاني رحمه الله:

" ولا تنهض حجة على ذلك؛ لأنه ليس بإجماع ".

" سبل السلام " (٢ / ٩٣٠) .

٣. وأجاب فريق ثالث من أهل العلم بخصوصية ذلك بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن أمهات المؤمنين، وجميع الرجال محارم لهن.

قال أبو حنيفة رحمه الله:

"كان الناس لعائشة محرماً، فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك " انتهى.

" عمدة القاري " (١٠ / ٢٢٠) .

إلا أن جواب أبي حنيفة هذا غير مُسَلَّم؛ لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النكاح، وليس في المحرمية، وإلا فلو كن أمهاتٍ للمؤمنين في المحرمية أيضا لجاز لهن خلع الحجاب أمامهم والخلوة بهم ونحو ذلك من أحكام المحرمية، وذلك ما لم يقل به أحد.

يقول ابن تيمية في " منهاج السنة " (٤ / ٢٠٧) عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:

" إنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية " انتهى.

والمعتمد في الجواب هو الجواب الأول.

والحاصل: أنه لا يجوز أن تُرد الأحاديث الصحيحة الصريحة بما يستنبط من بعض أفعال الصحابة المحتملة، والواجب هو اتباع ما ثبت وليس ما هو محتمل.

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: يقولون إن عائشة رضي الله عنها حجت مع عثمان بدون محرم؟

فأجاب:

"هذا يحتاج إلى دليل، لا يجوز أن يقال: حجت بدون محرم بغير دليل، لا بد أن يكون معها محرم، فعندها أبناء أخيها، عندها عبد الرحمن أخوها، عندها أبناء أختها أسماء، الذي يقول إنها حجت بدون محرم يكون قوله كذباً إلا بدليل، ثم لو فرضنا أنها حجت بدون محرم فهي غير معصومة، كل واحد من الصحابة غير معصوم، الحجة في قال الله وقال رسوله، ما هو بحجة قول فلان أو فلان، ما خالف السنة فلا حجة فيه، الحجة في السنة المطهرة الصحيحة، هذا هو المعروف عند أهل العلم، وهو المجمع عليه.

يقول الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.

وقال مالك رحمه الله: ما منَّا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، (يعني: النبي صلى الله عليه وسلم) .

المقصود: أن الواجب على أهل الإسلام والمؤمنين هو الأخذ بالسنَّة، لا يجب أن تعارض لقول فلان أو فلان أو فلانة، ثم لا يظن بعائشة رضي الله عنها وهي الفقيهة المعروفة أفقه نساء العالم، لا يظن بها أن تخالف السنَّة وتحج بغير محرم، وهي التي سمعت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

" فتاوى الشيخ ابن باز" (٢٥ / ٣٦١، ٣٦٢) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"إذا قال قائل: هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرَماً، فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين، ليس بمحرمية ولكن باحترام.

أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه، وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم؟ الأول محتمل، والثاني محتمل.

فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول؟

الجواب: نقول بالاحتمال الثاني ونقول: لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى.

" شرح كتاب الحج من صحيح البخاري " (شريط رقم ١٩، الوجه الثاني) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>