للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إشكال حول حديث الأعمى الذي قتل أمَتَه التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يمكنك رجاء أن تشرح لي الخلفية والمبرر لما جاء في حديث سنن أبي داود، حيث قُتل العبد الذي أهان الرسول صلى الله عليه وسلم، قتله سيدُه ولم يعاقَب، هل ذلك بسبب أن الدية لا تدفع للأولياء الكفار الذين يؤذون المسلمين؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

القصة المقصودة في السؤال يرويها ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فيقول:

(أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ.

قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ:

أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ.

فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ)

رواه أبو داود (٤٣٦١) وغيره، وقد سبق في جواب السؤال رقم: (١٠٣٧٣٩) بيان صحة أصل القصة، وأنها جاءت بألفاظ وأحداث مختلفة، تدل بمجموعها على وقوع الحادثة رغم التردد في بعض الجمل والعبارات.

وليس قتل هذه المرأة لأنها ذميّة، بل لأنها سبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحقت القتل لذلك، ولو كانت مسلمة، كفرت بهذا السب، واستحقت القتل أيضاً.

قال الصنعاني رحمه الله

" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ "

سبل السلام (٣/٥٠١)

وسبق ان نقلنا جواب شيخ الإسلام عن الإشكال الواقع في القصة من قتل الأعمى لهذه المرأة- التي استحقت القتل- من دون إذن الإمام. انظر جواب السؤال رقم (١٠٣٧٣٩) .

وفي هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصانة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرمت جميع حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميا أو معاهدا، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات.

انظر " أحكام أهل الذمة " (٣/١٣٩٨) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (٢٢٨٠٩)

هذا هو التوجيه الصحيح، والفهم السليم للقصة، وليس كما ينشره كثير من الحاقدين الطاعنين في حكم الشريعة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم لم يختر قتلها بهذه الطريقة، ولكنها لما استحقت القتل حدا لنقضها العهد ووقوعها في النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقتص من قاتلها، فقد كانت تُسمعه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، مرات ومرات، حتى كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، إلى أن طفح الكيل به فلم يصبر حتى أسكت صوتها الذي يؤذيه في دينه ونبيه.

وأما قتل الذمي بغير حقّ، فهو كبيرة من الكبائر، والوعيد فيه شديد، كما ثبت في صحيح البخاري (٣١٦٦) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) ، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ التَّقْيِيد فِي الْخَبَر، لَكِنَّهُ مُسْتَفَاد مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع، وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ " بِغَيْرِ حَقّ " وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَة بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " اهـ

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>