بنى أبوه بيتا بالربا ويريد أن يملّكه له
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل موظفا في دائرة حكومية، وأتقاضى راتبا لا يكفي لتأسيس بيت وأسرة وزواج إلى آخره. أبي طلب مني قبل سنة أن آخذ قرضا من البنك ليقوم ببناء بيت، ولكني رفضت؛ لأن الربا محرم وكبيرة من الكبائر، وبينت له ذلك، لكني فوجئت بعد فترة بأن أبي قام هو بنفسه بأخذ قرض ربوي من البنك، وأخبرني أن الذنب يقع عليه، ليس علي، ثم باشر بعد ذلك بناء بيت لي، وقال لي: إن تكاليف بناء البيت ستكون دينا في ذمتي، وأقوم بتسديدها على أقساط شهرية، دون زيادة أو تقصان، وبين لي أن هذا جائز ولا حرج علي؛ فلم أرد إغضابه ووافقته على الموضوع، ولقد تم ذلك ودفعت له أكثر من أربعة أقساط شهرية، ولكنني حتى الآن لست مطمئنا: هل ما أقوم به إعانة على الربا أم لا؟ وإذا كان كذلك، كيف أقوم بالتملص من البيت دون أن أغضب أبي؟ علما بأنني قبل يومين أبديت له عدم موافقتي على البيت، وقلت له إن البيت محرم علي وأقسمت ألا ادخله، ولكنه غضب مني ولا يتكلم معي!! والله إن الأمر يضايقني كثيرا، وأنا محتار في أمري؛ لا أعلم هل هذا حرام أم حلال؛ فأنا بين نارين: نار الربا من جهة، ونار غضب أبي من جهة أخرى؟!! أفتوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله أن وفقك للصواب، وامتنعت عن أخذ القرض الربوي؛ لما لا يخفى من حرمة الربا، وسوء عاقبته، ولا يعد ذلك عصيانا أو عقوقا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخلق، بل عدم إعانة الأب على ما يريد من الحرام، هو بر وإحسان إليه.
ثانيا:
الواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، ولا حرج عليه في الاستمرار في سداد ما أخذه، مع التوبة، وإن استطاع أن يتخلص من الفائدة الربوية، ولو بالحيلة، من غير مضرة، فليفعل.
ولا حرج عليه في الانتفاع بسكنى البيت، لأنه مبني بمال ملكه ملكا صحيحا، وعليه إثم الربا.
ولا حرج على أبنائه في السكنى أيضا.
ثالثا:
للأب أن يبيع هذا البيت أو يؤجره أو يهبه، لك أو لغيرك، فإن رغب في بيعه لك بأقساط شهرية، فلا حرج في ذلك.
والمقصود أن من اقترض بالربا، وقع في الحرام العظيم، لكنه يملك المال، ويجوز له الانتفاع به في أصح قولي العلماء. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص ٢٤٥- ٢٥٤
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟ فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام، لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك، والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٣/٤١١) .
لكن الذي نلفت نظرك إليه هنا أن تتلطف في نصح والدك ووعظه، وأن تبين له خطورة الجرأة على حدود الله، وانتهاك حرماته، والتهاون بمثل هذه الكلمة: الذنب علي؛ فإن هذا يدل على جهالة بخطر المعصية، وجرأة على مقام من عصيته سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/٦٣
نسأل الله أن يتجاوز عن والدك، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب