للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعيش مع حماتها وبينهما مشاكل كثيرة

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا زوجة منذ ١٠ سنوات تقريبا ولديَّ طفلان، أعيش منذ أن تزوجت مع والد ووالدة زوجي، بدأت حياتي وأنا أرجو أن نكوِّن أسرة وأن أعامل وكأني ابنة لهم وأعاملهم بنفس الطريقة، ولكن الحياة بيننا أصبحت ما يمكن أن يسمى " تعايش سلمي "، فهناك حوار ما دامت ليس لها ملاحظات عليَّ، لكني أفتقد الإحساس بالمحبة وخصوصا عندما أكون مريضة أو أحس بالتعب، لا أحس أنها تسأل عن صحتي باهتمام الأم، إن أنا قلت إني أحس بالتعب لا تسألني إن تحسنت حالتي أو كيف أصبحت فصرت لا أقول، وفي بعض الأحيان ردها على كلامي يوصل الإحساس أنها ترى أني أتصنع ذلك، وهذا يحز في نفسي، فأنا لا أطلب أن أستريح وتقوم هي بعمل المنزل ولكن مجرد الاهتمام بالسؤال عن صحتي، والمشكلة الأخرى تكمن في طبع والدة زوجي أنها كثيرة الانتقاد لتصرفات الآخرين، تكون في بعض الأحيان على صواب وأحيانا أخرى تكون فيها مبالغة، فهي تريد الأمور أن تتم كما تراها وغير ذلك فهو في نظرها خطأ، المشكلة أن حديثنا في الغالب ما يكون انتقادا لأشخاص سواء من الأصدقاء أم من الأقارب من جهتهم أو من جهتي، وانتقادها يكون غالباً حادّاً وخاصة إن كانت في حالة غضب من الشخص وفي بعض الأحيان يصل إلى حد الشتم، أولاً أنا أحس أننا نرتكب الكثير من الغيبة، وإن لم أرد عليها أو حاولت أن أبرر تصرفات من تنتقده في محاولة لرد غيبة الشخص المتحدث عنه انقلب عليَّ الحال، فالوضع الوحيد الذي يرضيها أن أقول إنها على حق وأن الطرف الآخر قد أخطأ، ولكن ذلك لا يتم إلا وقد جرحنا في الناس كثيراً، ويزيد من ضيقي أن يكون هذا النقد اللاذع لأهلي (أبى وأمي وإخوتي وأزواجهم) ، وقد يكون معها الحق أحيانا، فهم بشر ولهم عيوبهم وأخطاؤهم، ولكن أن نظل نتحدث عما حدث وننتقدهم والانتقاد لا يكون فقط على السلوك الذي حدث منهم وأغضبها (وطبعا بشكل لاذع) بل يكون أحيانا على تصرفاتهم في حياتهم الشخصية، وإن ظهر عليَّ الضيق غضبت مني، وقد توفي والد زوجي منذ ما يقل من عام فأصبح الوضع أكثر سوءا؛ أصبحتْ أشد حساسية وانتقاداً للنظرة والحركة والكلمة وطريقة كلام من نعرفهم، وانتقل هذا الانتقاد لي أنا شخصيّاً في كل أمور حياتنا؛ طريقة معاملتي لزوجي (ابنها) ، وتعاملي مع أولادي، وتعاملي مع أهلي، فهي تريديني أن ألومهم على ما تراه هي أن فيه خطأ ما مباشرة وأن لا أفوت لهم أي تصرف دون معاتبة، ولكن أنا أرى أن إخوتي يجاملونها (إرضاء لخاطري) ، وحتى إن غضبتْ من أحدهم لتصرُّف صدر عنه يأتي للاعتذار – أليس في ذلك سببا كافيا لأحمل لهم هذا الجميل ففي استطاعتهم ألا يهتموا بزعلها منهم ولكنهم يفعلون ذلك لأجل خاطري – كمثال لما أقول، كان زوجي مسافراً لمدة ١٠ أيام كانوا يتصلون كل يوم للسؤال عنَّا وإن كنا نريد شيئا، كان أول ما أخذته عليهم أن من المفروض أن يأتي كل يوم أحد منهم ليجلس معنا قليلا ويعرض استعداده لأخذنا للمكان الذي نريد، ثم كان موعد أخذ إبرة دواء تأخذها أسبوعيا فأتى زوج أخت لي لأخذها إلى المستشفى، وأخذنا بعدها لشراء أغراض للمنزل، أخذت عليه أنه لم يكلف نفسه عناء شراء شيء لأولادي فقد كانوا معنا، وغضبت كثيراً، ووصفته بالبخل، أما من ناحيتي أنا فقد زادت انتقاداتها لي كثيراً، وازدادت حدتها، وقد تصل أيضا لحد الألفاظ الجارحة أحيانا، وقد يتم ذلك أمام أولادي، صبرتُ واحتملتُ كل هذه السنين دون أن أرد أو حتى يظهر عليَّ أي اعتراض لما تقول احتراماً لها وإرضاء لزوجي، ونيتي في ذلك أجددها دائما أنها طاعة لله، ولكن أحس أني لا أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك، وقد أثَّر ذلك على حالتي النفسية فأصبحت عصبيَّة جدّاً مع أولادي، أعرف أنه تنفيس عن الضغط النفسي الذي أحس به، وأحاول أن أتغلب على ذلك ولكن لا أستطيع، وأيضاً إحساسي أنه ليست لي أي حياة زوجية خاصة، فلا وقت لي لأجلس مع زوجي بمفردنا، فأنا أجلس معها دائماً حتى لا أتركها تجلس بمفردها وأتجاذب معها أطراف الحديث الذي أحاول أن أبتعد به عن ذكر أي شخص وأن أجعله في أمر عام أو ديني، ولا أن أقضي وقتا مع أولادي لألعب معهم فهم أطفال أعمارهم ٩ و ٦ سنوات، لا أحس أن لي بيتاً أستطيع أن آخذ راحتي فيه فيجب أن أسألها قبل أن أفعل أي شيء؛ لأني في رأيها قليلة الحيلة لا أستطيع التصرف، أصبحت أحس أنني فعلا لا أعرف التصرف في أي شيء، ماذا أفعل؟ أفعل ما في وسعي لإرضائها، ولكن أحس إحساس من يتعب في غير بيته كأني مقيمة، كضيفة في بيت قريب يجب أن تظل منتبها طوال الوقت لما يجب أو لا يجب أن تفعله، وقد تكلمت مع زوجي، رأيه أن هذا طبعها وأننا لا يجب أن نعتبره موجها لشخصي، فهي تعامل الناس جميعاً بهذه الطريقة القريب والبعيد، وبالتالي إن اعتبرته طبعا لا يقصد به شخصي فقط، فيجب ألا يسبب لي هذا ضغطاً نفسيّاً، بصراحة لم أستطع أن أستوعب هذه النظرية ولا أن أكيِّف نفسي عليها وأصبحت كالمكثف الكهربائي أظل أخزن التوتر والضغط لفترة ثم أنهار ليلا بالبكاء لاحتمل لفترة أخرى، وتذهب طاقتي النفسية في أن أمتص ما تقوله سواء في حق الغير لإحساسي بارتكاب الغيبة أو في حق الأهل وهو غيبة ويؤلم لأنهم أهلي وفي حقي، فلا أظهر لها امتعاضي أو غضبي وأن أرد على ما تقول بأقصى ما أستطيع من دبلوماسية ف محاولة لرد غيبة من نتكلم عنهم وتجنب أن يرتد غضبها على وإن كنت أفشل أحيانا في الجمع بين هذين الأمرين فتغضب مني، أصبحت بلا أصدقاء، فقد فضلت أن أنقطع عمن أعرفهم قبل زواجي لأقلل من انتقاداتها ولأنني لا أستطيع أن أجاملهم كما تعودت معهم، فأنا لا أخرج إلا إن رضيت هي، حتى زياراتي لأهلي يجب أن نتحايل لتحس أنها هي من قال لنا اذهبوا، فليست لي حرية الخروج مع زوجي كما نريد، وإن حدث وخرجنا أحس عند عودتي أنها غاضبة ويكون ذلك واضحا حتى لزوجي ولا مبرر لهذا الغضب إلا أننا خرجنا بمفردنا، لا أجد سبباً آخر لذلك مع أننا نكون استأذنا للخروج، وزوجي ليس لديه أصدقاء يقيم معهم علاقات اجتماعية بل في حدود العمل وخارج المنزل دون أسرهم، فقد حدثت علاقات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة مع أسَر من يعمل معهم وانتهت كلها بسبب انتقادها لتصرفاتهم سواء الرجل أو أسرته، فلم تعد لدينا أي علاقة مع أي أسرة، وأنا من أسرة ترى أن الحياة الاجتماعية شيء أساسي وأصدقاء والدي ووالدتي منذ عشرات السنين في تزايد وعلاقات مستمرة وأحسبهم والحمد لله صالحين، قاموا بتربيتي أنا وإخوتي على حفظ القرآن منذ صغرنا والصلاة وأن الصحبة الصالحة ضرورية للمسلم، لذا أحس بفراغ كبير في هذا الجانب، ولا أعرف تعويضه، أريد الصحبة الصالحة ولكن أخشى أن تأتي من ورائها المشاكل وأنا في غنى عن المزيد، ماذا أفعل؟ أحس أنني لا أستطيع الاستمرار، وفي نفس الوقت لا أريد أن أفقد في الطريق أحلى سنين أطفالي وأنا أصرخ فيهم؛ لأن طاقتي العصبية وقدرتي على الصبر والتفهم تستنفذ في امتصاص ما أحس من توتر من أم زوجي، فهي على الرغم من كل شيء هي أم زوجي، وعليه أن يبرها وأن أبرها أنا أيضا، ولكن أحس أني لن احتمل لفترة أطول، هل الخطأ مني؟ هل ضاع أجر صبري عندما أصبح عصبية مع أولادي أو أشتكي لزوجي مما ألاقيه؟ وهل طلبي من زوجي أن تكون لنا بعض الخصوصية كأن يحاول توفير وقت نجلس فيه معا أو نخرج فيه بمفردنا فيه عدم بر بالوالدة؟ وما يرتكب من غيبة للناس كيف أتحاشاه؟ هل يكفي إنكاري بالقلب ومحاولة رد الغيبة إن استطعت بما لا يسبب لي الضرر حتى لا أأثم؟ وإن اضطررت للمشاركة فأشارك بلساني وقلبي كاره وأستغفر سرّاً لمن اغتبناهم، هل أنا بذلك آثمة؟ وأصبحت أقوم بواجبي تجاهها وتجاه المنزل من باب أداء الواجب، بدون أن يكون ذلك نابعاً عن حب حقيقي، كنت أتمنى أن أحس بإحساس الابنة تجاه والدتها، ولكن ذلك لا يكون من طرف واحد، يجب أن يبادلك الطرف الآخر نفس الشعور، فهل أنا آثمة في ذلك - أن يكون أدبي ومساعدتي لها في المنزل من باب الواجب وصلة الرحم واحترام الكبير -؟ بصراحة لا أحس أنه منزلي! نحن لا نستطيع أن نتكلم معها بصراحة فيما يحدث، فلن تتقبل النقد بصدر رحب، والمشكلة أنها حين تنفعل أو تغضب فإنها تتعب جسديّاً، أي: أن التعب النفسي يظهر عندها بشكل عضوي، هل هناك طرق لتفادي ما أنا فيه، أم عليَّ أن أستمر في الاحتمال؟ وأيضا علاقتي مع زوجي تتأثر بحالتي النفسيَّة جدّاً، فأنا بشر. أفيدوني أفادكم الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ينبغي أن تعلمي – أختنا السائلة - اختلاف طبيعة البشر، فهم ليسوا سواء من حيث الخلُق والدين والعقل والتصرفات، وينبغي عليكِ - كذلك - مراعاة من كان كبيراً في السنِّ فإن عقله يضعف ويعود صغيراً في كثيرٍ من تصرفاته، وعليكِ – أيضاً – مراعاة أنكِ تتعاملين مع أم زوجكِ، وغالب هؤلاء الأمهات تدب فيهن غيرة الضرائر من زوجات أبنائهنَّ.

فإذا راعيتِ كل ما سبق وفطنتِ له فإنه تهون عليك مشاكلك وتفرَّج همومك، فما تعانين منه تعاني منه كثيرات، وهو يحتاج لأمرين مهمين: الصبر والحكمة.

فاصبري على ما ترينه وتسمعينه من أهل زوجك، وكوني حكيمة في تعاملك معهم، وبخاصة أم زوجك؛ فإنه بحكمتك تستطيعين تجنب كثير من المشاكل، وتفوزين برضاهم أو على الأقل كف شرهم عنكِ، وتفوزين بقلب زوجك ورضاه عنكِ.

والحكمة في تعاملك مع أم زوجكِ تقتضي منكِ إسماعها الكلام الحسن، والثناء عليها، والدعاء لها، وتلبية طلباتها، وأن تكوني أحرص منها على نفسها إن كانت تتناول دواء – مثلاً – أو لها موعد زيارة طبيبة، كما أن للهدية دوراً كبيراً في ترقيق قلبها وتغيير معاملتها تجاهك.

مع العلم أنه لا يجب عليكِ خدمتها ولا العناية بها من حيث الوجوب الشرعي، فما تفعلينه هو أمر مستحب محبوب للشرع، وهو من حسن العشرة لزوجكِ، ولعلَّها إذا عرفت أنكِ تقومين بما لا يجب عليكِ شرعاً، وعرف زوجكِ ذلك – أيضاً – أن يكون لك مكانة عندهما عالية.

ثانياً:

هذا لا يعني أنكِ تجارينها في الغيبة التي تفعلها، بل يجب عليكِ نصحها بترك أكل لحوم الناس باغتيابهم، فإن انتهت فهو خير لها، ولكِ أجر ذلك، فإن استمرت ولم تنته فلا يحل لك الجلوس معها وهي تغتاب الآخرين، بل يجب مفارقة مجلسها، وقد يكون تصرفك هذا مساهماً في تركها للغيبة، ولا يكفي إنكارك بقلبك في الحال؛ لأنك لستِ في حكم المكرَهة، ولا بدَّ أن تفهم هي وابنها هذا الحكم، واعلمي أنكِ إن بقيتِ معها وهي على ذلك الحال فأنت شريكة معها في إثم الغيبة، فكيف إن شاركتِ معها بلسانك؟! .

ثالثاً:

لك كل الحق في أن يكون لكِ بيتٌ مستقل تعيشين فيه مع زوجكِ وأبنائكِ، ولك الحق أن يكون لك كثير من الخصوصية إن كان زوجك يريد أن يكون مسكنكم مع أهله، ولا يكون عاقّاً لأمه لو فعل ذلك، فالرجل العاقل الحكيم يزن الأمور بميزان الشرع، ويعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، ولا ينتقص لواحدٍ من الآخر.

على أننا، مع ذلك، نعلم صعوبة الاستقلال بمسكن في كثير من الأحيان، لا سيما مع الظروف المعاصرة التي جعلت من الحصول على المسكن الملائم، خاصة في المدن الكبرى، أمرا صعب المنال، وهنا يتوجب على المرء أن ينظر في الظروف المحيطة به، بشكل عام، وبأفق أرحب، من أجل ألا يشق على نفسه، ولا على من حوله، والله تعالى كتب الإحسان على كل شيء.

ويجب على زوجكِ أن يعلم بحقيقة وضعك مع أمه؛ لأن هذا سبَّب لك عصبية ظهر أثرها على أبنائك، وقد يكون أثر على زوجك أيضاً، لذا ينبغي عليه أن يسارع في حل مشكلات البيت، وعليك أن يتقبل منكِ المصارحة في الأمور كلها؛ وعليه أن يتحمل المسئولية التي أوجبها عليه الشرع، فعليه برُّ أهله، ومن برِّهما نصحهما وتذكيرهما إن وقعا في مخالفة الشرع، كما أن عليه مسئولية عِشرة زوجته بالمعروف، وعليه مسئولية تربية أولاده، فهو أحوج ما يكون للمصارحة والمعاونة على ذلك، وأنتِ الطرف الأساس الذي يعينه على ذلك كله.

ونسأل الله تعالى أن يهديكم ويصلح بالكم، وأن يجمع بينكم على خير، وأن تكونوا أسرة واحدة سعيدة في الدنيا والآخرة.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>