الفرق بين القرض والبيع
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذتُ من بعض الأخوات مقدارا من الذهب كقرض حسن، وتعهدتُ بإرجاعه بعد مده من الزمن ذهبا (وزناً بوزن) . أرجو أن تبينوا لنا: هل يدخل ذلك في باب الربا؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت النصوص المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أجناس الربا، وأنواعه، ومنها حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (١٥٨٧) .
ثانيا:
القرض جائز، ومندوب إليه، بإجماع المسلمين، سواء في الأموال الربوية، أو غيرها.
قال ابن القطان في " الإقناع في مسائل الإجماع" (ص١٩٧) : " وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم، والقمح والشعير والتمر والذهب، وكل ما له مثل من سائر الأطعمة المكيل منها والموزون: جائز " انتهى.
ثالثا:
استشكل السائل قرض الذهب بالذهب بناء على أنه مبادلة ربوي بجنسه مع تأخر القبض.
والجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: أن النصوص في اشتراط التقابض " يداً بيد " إنما هي في البيع " فبيعوا كيف شئتم "، وليس فيها ذكر للقرض.
الثاني: أن القرض تبرع وإرفاق وإحسان بخلاف البيع فإنه مبادلة أصل المال من غير إرجاع.
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (٢/١١) : " وأما القرض فمن قال إنه على خلاف القياس فشبهته أنه بيع ربوي بجنسه مع تأخر القبض، وهذا غلط؛ فإن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية؛ ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة فقال: "أو منيحة ذهب أو منيحة ورق" وهذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات، فإن باب المعاوضات يعطي كل منهما أصل المال على وجه لا يعود إليه، وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة ... وليس هذا من باب البيع في شيء بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع (٩/٩٣) : (وهو عقد إرفاق يقصد به تمليك المُقرَض للمقترض، أي: تمليك الرجل الذي أقرضتَه لِمَا تُقْرِضُه ... فهو إذاً عقد إرفاق ولا يقصد به المعاوضة والمرابحة، وإنما هو إحسان محض، ولهذا جاز القرض مع أن صورته صورة ربا، فإنه إذا باع درهماً بدرهم ولم يحصل بينهما تقابض: كان ربا، وإذا أقرضه درهماً وبعد شهر أعطاه إياه: لم يكن ربا، مع أن الصورة صورة ربا، ولا يختلف إلا بالقصد، ولما كان المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان صار جائزاً) .
الثالث: معلوم أن الناس يقترضون من بعضهم النقود والدراهم والدنانير وسائر الأموال والأمتاع كالشعير والإبل ... ويردون مثلها منذ عهد النبوة إلى اليوم، ولا يقال إن هذا ربا فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ) رواه البخاري (٢٢٥١) ، ومسلم (١٦٠٣) . – والشعير من الأجناس الربوية -.
ولو أوجبنا التقابض في القرض لانعدم القرض في الأموال الربوية جميعها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب