للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يعطي مالا للشرطي ليعفيه من مخالفة المرور؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لدى سيارة أجرة وخالفني المرور لاختراقي الإشارة الحمراء من غير قصد، علما بأن هذه المخالفة إذا كانت متعمدة قيمتها ٥٠٠ دينار، والغير متعمدة ١٥٠ دينارا تقريبا؟ السؤال هو: أن رجل المرور طلب منى أن أحضر له عشاء له مقابل أن يعطيني أوراق السيارة؟ فهل هذه رشوة أم مساعدة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

التقيد بإشارات المرور واجب؛ لأنها وضعت للمصلحة العامة، من تنظيم السير، وحفظ النفوس والأموال، ولو سار الناس في الطرقات متجاوزين هذه الإشارات، لحصل لهم فساد كبير، كما هو مشاهد ومعلوم.

وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بأنه لا يجوز قطع إشارة المرور، وجعل ذلك من طاعة ولي الأمر الذي تجب طاعته؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء/١٧٨. "لقاءات الباب المفتوح" (٣/١٧٨) سؤال رقم ١٢٦٥.

وأما إلزام المخالف بغرامةٍ مقدرةٍ، فإنه من التعزير بالمال، وهو جائز عند كثير من العلماء، كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وهو قول قديم للشافعي، وبه قال بعض المالكية، واختاره ابن تيمية وابن القيم، رحم الله الجميع.

قال ابن القيم: " وأما التعزير بالعقوبات المالية، فمشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي. وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع: منها: أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها. ومثل أمره لعبد الله بن عمر بأن يحرق الثوبين المعصفرين. ومثل أمره صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر - بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية، ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم. فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر. ومثل هدمه مسجد الضرار. ومثل تحريق متاع الغال (وهو الذي سرق من الغنيمة قبل قسمتها) . ومثل أخذه شطر مال مانع الزكاة، عزمةً من عزمات الرب تبارك وتعالى. ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه، فطرحه، فلم يعرض له أحد. ومثل قطع نخيل اليهود إغاظة لهم. ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع في الخمر. ومثل تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعيّة. وهذه قضايا صحيحة معروفة، وليس يسهل دعوى نسخها. ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك. وفعلُ الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم " انتهى باختصار من "الطرق الحكمية" ص ٢٢٤.

فعلى القول بجواز التعزير بالمال، لا يجوز التهرب من دفع هذه الغرامة، ويكون العشاء المقدم للشرطي رشوة محرمة، لأنه يدفعها للشرطي ليسقط عن نفسه حقاً واجباً عليه.

وإنما الرشوة الجائزة: التي يضطر الإنسان لبذلها ليدفع عن نفسه ظلماً، لا يستطيع دفعه إلا بذلك.

وينظر جواب السؤال رقم (٢٥٧٥٨) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>