للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما رأيكم بخطبة جمعة تستغرق مع صلاتها عشر دقائق؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[ما قولكم في إمام تأخذ منه خطبتا الجمعة مع صلاته ١٠ دقائق معدودة!! نعم ١٠ دقائق! أتجزئ هذه الجمعة؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

مما لا شك فيه أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وقد هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة، بل هو أمرُه، وهو أكمل هدي، كما كانت مواعظه قليلة؛ ليُحفظ عنه يا يعظ به الناس، فخطبة الجمعة قصيرة، والمواعظ قليلة.

قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ – أي: ابن ياسر - فَأَوْجَزَ، وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ – أي: أطلتَ -، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْراً) . رواه مسلم (٨٦٩) .

ومعنى (مئنة من فقهه) أي علامة على فقهه ودليل عليه.

وقد تتابعت كلمات العلماء على توكيد هذا الأمر، وتثبيته:

١. قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

وأما قصر الخطبة: فسنَّة مسنونة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ويفعله

، وفي حديث عمار بن ياسر " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر الخطبة "، وكان يخطب بكلمات طيبات، قليلات، وقد كره التشدق، والتفيهق.

وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبَره بعد حفظه له، وذلك لا يكون إلا مع القلة. " الاستذكار " (٢ / ٣٦٣، ٣٦٤) .

٢. وقال ابن حزم – رحمه الله -:

ولا تجوز إطالة الخطبة.

" المحلى " (٥ / ٦٠) .

٣. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

فالأولى أن يقصر الخطبة؛ لأن في تقصير الخطبة فائدتين:

١. ألا يحصل الملل للمستمعين؛ لأن الخطبة إذا طالت - لا سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابراً لا يحرك القلوب، ولا يبعث الهمم -: فإن الناس يملُّون، ويتعبون.

٢. أن ذلك أوعى للسامع، أي: أحفظ للسامع؛ لأنها إذا طالت: أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت: أمكن وعيها، وحفظها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) ، أي: علامة، ودليل، على فقهه، وأنه يراعي أحوال الناس، وأحياناً تستدعي الحال التطويل، فإذا أطال الإنسان أحياناً لاقتضاء الحال ذلك: فإن هذا لا يخرجه عن كونه فقيهاً؛ وذلك لأن الطول والقصر أمر نسبي، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب أحياناً بسورة " ق "، وسورة " ق " مع الترتيل، والوقوف على كل آية: تستغرق وقتاً طويلاً.

" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (٥ / ٦٥) .

ثانياً:

هذا التقصير للخطبة لا ينبغي أن يكون ماحقاً، فلا يستفيد الناس من الخطبة شيئاً، فهم لم يقطعوا المسافات، ولم يخرجوا من بيوتهم لأجل رؤية الخطيب، ولا لسماع نبرة صوته، بل جاءوا لتحصيل الفائدة، بموعظة، أو حكم شرعي، وما يشبه ذلك؛ ولهذا ينبغي مراعاة القصد والتوسط في ذلك الأمر.

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) .

رواه مسلم (١٤٣٣) .

قال النووي - رحمه الله -:

أي: بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق.

" شرح مسلم (٦ / ١٥٩) .

وقال - أيضاً -:

يستحب تقصير الخطبة؛ للحديث المذكور، وحتى لا يملوها، قال أصحابنا: " ويكون قصرها معتدلاً، ولا يبالغ بحيث يمحقها.

" المجموع " (٤ / ٣٥٨) .

ثالثاً:

إلا أننا لا نستطيع القول بأن الخطبة القصيرة جدّاً غير مجزئة، وأكثر أهل العلم على أن الخطبة إذا جيء بأركانها أجزأت، وقد اختلفوا في تحديد تلك الأركان اختلافاً كثيراً، والصحيح: أنه ليس ثمة ما يسمَّى أركاناً للخطبة، وأنه كل ما يُطلق عليه خطبة، ولو بكلمات يسيرات: أنه مجزئ، تصح الخطبة به.

وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن سعدي، وقد ذكرنا قوليهما في جواب السؤال رقم: (١١٥٨٥٤) ، وفي الجواب المحال عليه تقوية الشيخ العثيمين رحمه الله لهذا القول، لكنه رحمه الله نبَّه على عدم العمل به، فلينظر كلامه هناك.

رابعاً:

هذا الخطيب الذي تستغرق منه الخطبة مع الصلاة عشر دقائق: ليس بفقيه، بل هو جاهل؛ لأن الفقه هو في تقصير الخطبة، وإطالة الصلاة، وليس في محقهما! .

ولنقرأ لخطيب المسجد الحرام الشيخ سعود الشريم في تقدير خطبة الجمعة، والصلاة، بالتوقيت الزمني التقريبي.

قال الشيخ سعود الشريم – حفظه الله -:

ولأجل أن نصل إلى تحديد تقريبي من حيث فهم معنى طول الصلاة وقصر الخطبة بالتوقيت العصري: فأقول وبالله التوفيق:

إنك لو قرأتَ في لاة الفجر - مثلاً – بـ " الجمعة " و " المنافقين " قراءة متأنية: لأخذت الصلاة منك ما لا يقل عن عشر دقائق، إن لم تصل إلى خمس عشرة دقيقة، وقد جربتُ ذلك فوجدته كذلك، وهذا كله إذا قرأت حدراً، مع ركوع الصلاة، وسجودها؛ فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينفذ أمر ربِّه (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) المزمل/ ٤، وكان يطيل الركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، ويقول راوي الحديث: " حتى يقول القائل إنه نسي "، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء ".

" الشامل في فقه الخطيب والخطبة " (ص ١٥٤) – ترقيم الشاملة -.

ومن هذا التقرير يتبين أنه لا يمكن لهذا الخطيب أن يخطب الجمعة، ويصلي صلاتها، في عشر دقائق، إلا مع الإخلال البين بالأمرين جميعا: الخطبة، والصلاة.

ومثل هذا يحتاج أن يعلم، لأنه ربما أخطأ فهم شيء من السنة في هذا الباب، فضيع الخطبة والصلاة، وهو يظن أنه من المحسنين؟!!

فإن لم يستجب لتعليمك ونصحك، فانظر إلى غيره، ممن يقيم السنة على السداد، أو يقارب، فصل معه، وصن صلاتك، واستصلح قلبك، وأما هو ـ حيث لم يتعلم، ولا يريد ـ فوله ما تولى، والله عند قلب كل قائل ولسانه!!

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>