هل دفاع المحامي المسلم عن المظلوم الكافر يعد مناقضاًَ للولاء والبراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب للمحاماة، وتردنا قضايا، ومعاملات تابعة لشركات أجنبية، وأيضاً أفراد أجانب، وغالباً ما يكونون غير مسلمين، فهل يجوز الدفاع، والترافع عنهم في مواجهة المسلمين؟ وهل في ذلك موالاة لهم؟ وهل يجوز العمل في بقية أعمالهم مثل عمل إجراءات تأسيس فروع لشركاتهم هنا في المملكة؛ لأنني أخشى أن يكون عملي ومصدر رزقي محرَّماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المحاماة " وكالة بالخصومة، واشتقاقها من الحماية، فمن عمل بها ليكون نصيراً لأصحاب الحقوق لاسترجاع حقوقهم، أو لرفع الضرر عنهم: فعمله مباح، ولا حرج فيه، وله أن يستوفي مقابله مالاً.
ومن عمل بالمحاماة دفاعاً عن باطل، ونصرةً لظالم: فعمله محرَّم ولا يحل له، وما يكسبه من مال بسببه: فهو سحت، لا يحل له أكله.
قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) النساء/١٠٥.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: لا تخاصم عن مَن عرفت خيانته، من مدعٍ ما ليس له، أو منكرٍ حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه.
ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية.
ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم ".
تفسير السعدي (١٩٩) .
عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)
وفي رواية: (وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه أحمد (٥٣٦٢) وأبو داود (٣٥٩٧) وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وسواء كان المظلوم مسلماً أم كافراً فلا فرق، فالمهم أن يكون صاحب حقِّ، وليس الدفاع عن صحاب الحق الكافر ضد المسلم الظالم من مخالفة الولاء والبراء في شيء، فقد أمرَ المسلمون بأداء الحقوق لأهلها، وبالشهادة بالحق، ولو على النفس، أو الوالدين.
وسواء كان أصحاب الحق أفراداً أم شركات، فلا فرق.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/ ٨.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: لا يحملنكم بغض قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا؛ كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق ".
تفسير السعدي (٢٢٤) .
وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) الأنعام /١٥٢
قال ابن كثير رحمه الله: " يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال، على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد، في كل وقت، وفي كل حال ". تفسير ابن كثير (٣/٣٦٥) .
والعبرة في حل العمل وحرمته: طبيعة القضية، فلا يحل الدفاع عن مجرم، أو مرتكب لمعصية من أجل تبرئته، ولا يجوز المحاماة عن شركات أو مؤسسات تعمل بأمور محرَّمة، كما لا يجوز للمحامي السعي في ترخيص تلك الشركات والمؤسسات من أجل العمل بين الناس، إذا كانت أعمالها محرَّمة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان في الاشتغال بالمحاماة، أو القضاء إحقاق للحق، وإبطال للباطل شرعاً، ورد الحقوق إلى أربابها، ونصر للمظلوم: فهو مشروع؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ ٢.
الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١ / ٧٩٢، ٧٩٣) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم الشريعة الإسلامية في حرفة المحاماة؟ .
فأجاب:
لا أعلم حرجاً في المحاماة؛ لأنها وكالة في الدعوى، والإجابة، إذا تحرى المحامي الحق، ولم يتعمد الكذب كسائر الوكلاء.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢٣ / ٢٢١) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله: فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل: فهذا حرام.
" لقاءات الباب المفتوح " (٣٣ / السؤال رقم ٢)
وسئل - رحمه الله -:
ما حكم المحاماة في الإسلام؟ .
فأجاب:
المحاماة في الإسلام إذا كان الإنسان يريد إحقاق الحق، وإبطال الباطل: فهي خير، ومأمور بها؛ لما فيها من إزالة الظلم عن المظلوم، ومعاونة صاحب الحق على حقه.
وأما إذا كان الإنسان يحامي بالباطل، بأن يكون كلامه هو المنتصِر: فهذا حرام، فهي ترجع إلى نية المحامي.
" لقاءات الباب المفتوح " (١٣٤ / السؤال رقم ١٦)
وانظر أجوبة الأسئلة: (٨٢٧٩٩) و (٩٤٩٦) و (٢١٢٦٢) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب