نذر أن يتبرع بأول راتب له وعليه ديون
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت لله أن أتبرع بأول راتب لي من العمل في السعودية وعندما قدمت إلى السعودية كانت علي ديون لإكمال السفر إلى السعودية فهل سداد الدين مقدم على النذر أم أن الدين هذا يسقط النذر وإن كان لا يسقط النذر فهل يجوز أن أقوم بسداد هذا النذر إلى أهلي وأقاربي في صورة هدايا أم لابد أن يكون مالا وهل يجب أن يكون عاجلاً أم مؤجلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن النذر؛ لورود النهي عنه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رواه مسلم (١٦٣٩) .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (٣٢٧٢٤) .
ثانياً:
الدين لا يسقط النذر، فكلاهما حق ثابت لا يسقط أحدهما الآخر.
ومن اجتمع عليه ديون للآدميين، وديون لله تعالى كالنذر والكفارة ... ، وضاق ماله؛ بأن لم يسع جميع الحقوق، فهل يقدم حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين، فيه تفصيل؟
فإن كان الدين مؤجلاً ولم يأت أجله، قُدم النذر؛ لوجوب النذر على الفور، ولأن الدين المؤجل ليس لصاحبه المطالبة به، حتى يحل الأجل، فقدم النذرُ.
وإذا كان الدين غير مؤجل فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يقدم الأسبق منهما، إلا إذا كان النذر بشيء معين، فإنه يقدمه، ولو كان الدين هو الأسبق.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب": إذا كان عليَّ دين لناس، فهل الأول يسدد الدين أم يوفي النذر؟
فأجاب:
" إذا كان الدين سابقاً على النذر قدمه، وإذا كان النذر سابقاً عن الدين قدمه؛ لأن هذا يتعلق بالذمة، وما كان متعلقاً بالذمة، فإن انشغال الذمة بالأول، فإنه يوجب أن تكون غير قابلةٍ بالانشغال بالثاني حتى يفرغ منه، هذا إذا لم ينذر شيئاً معيناً؛ بأن يقول هذه مثلاً لله علي نذر أن أتصدق بهذه الدراهم أو بهذا الطعام المعين، فإنه في هذه الحال يُقدم النذر؛ لأنه عينه وصار هذا الشيء المعين مشغولاً بالنذر " انتهى
وجاء في دقائق " أولي النهي " (١/٣٩٨) : "لو أفلس حي، وله أضحية معينة أو نذر معين، فيخرج، ثم دين برهن" انتهى. يعني: تقدم الأضحية المعينة والنذر المعين على الدين.
والذي يظهر لنا: أن نذرك هذا من النذر المعين، فيجب تقديمه على الدين.
ثالثاً:
إن كنت عينت جهة لنذرك وجب عليك صرفه لتلك الجهة، ولا يجوز لك العدول عنها إلا إذا تعذر الوصول إلى تلك الجهة، وإن لم تكن حددت جهة، فلك صرفه حيث شئت ويخص بذلك الفقراء والمساكين ... ولك أن تنفقه في أهلك وأقاربك إن كانوا فقراء ... ، والواجب عليك إخراجه نقوداً، ولا يجوز أن تشتري بها هدايا لهم.
قال النووي في "المنهاج": "وإن نذر التصدق على أهل بلد معين لزمه" انتهى.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (٦/٢٥٠) : " قد يفهم من كلامه أنه لا فرق في أهل البلد بين الغني والفقير.. وليس مراداً , فقد نص [الإمام الشافعي] في الأم على التخصيص بالمساكين" انتهى.
وفي "مطالب أولي النهى" (٦/٤٢٧) : "وإن نذرها [الصدقة] بمال ... يصرفه للمساكين، ويجزئ لواحد، كنذر" انتهى.
رابعاً:
متى تمكنت من الوفاء بنذرك وجب عليك الوفاء به فوراً من غير تأخير.
فقد نصَّ في "كشاف القناع" (٦/٢٧٩) على أنه يجب إخراج النذر فوراً.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لقد نذرت الله - سبحانه وتعالى - نذراً وهو أن أصلى ١٠ ركعات إذا خفت رجلي من الألم، والآن لا أدري أيجوز أن أصلي العشر ركعات كل يوم ركعتين إلى أن أتمها فيصبح إتمامهم بخمسة أيام؟ أم يجب أن أصلي العشر في وقت واحد بمعنى في يوم واحد؟
فأجاب:
" إذا وجد الشرط المذكور وهو خفة الألم، فالواجب عليك الوفاء بالنذر فوراً فتصلي عشر ركعات في غير وقت النهي، تسلم من كل ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذرأن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري في صحيحه" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٢٣/١٦٦) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب