عقد عليها وله كسب محرَّم ويحكِّم عقله في النصوص ومعجب بنفسه فهل تفسخ النكاح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم العقد من ٣ أشهر، وعلمت بعدها أنه يقوم بعمل طباعة، وتطريز، على الملابس، لصور ذوات أرواح، وغيرها، فنهيتُه عن صور ذوات الأرواح، فاستجاب بعد فترة، ثم عاد مرة أخرى، مرجعاً ذلك إلى عدم اقتناعه، ولكنه يتركها من باب ترك الأولى، ولكنه أتى برجل ليقوم بهذا العمل بدلاً منه، فما حكم هذا المال؟ وهل عليَّ شيء إذا عاد للطباعة بيديه مرة أخرى؟ وهل يحق لي في هذه الحالة طلب الانفصال، علماً بأننا لا زلنا في فترة العقد، ولم يبنِ بي؟ . وأيضاً سؤال آخر: أراه متخاذلاً في طلب العلم الشرعي، ويحكِّم عقله دائماً في الأدلة، وعنده نوع من العجب بالنفس، وأخشى أن يثبطني بعد البناء عن الذهاب إلى الدور لتلقي العلوم الشرعية، أو للدعوة؛ لأنه لا يشعر بأهميتها على الوجه التام، فهل أستمر معه، علماً بأنني الآن في حالة ضيق شديد جدّاً منه، ولا أطيق التحدث معه بسبب عدم همته في الالتزام بشكل أفضل؟ ، وأيضاً: لأنه بصراحته الزائدة التي يظن ـ إن صح ـ قد أوقع بيني وبين أهله، رغم أنه لم يحدث شيء بيننا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
رسم ذوات الأرواح باليد، أو بآلة خياطة، على الثياب، والستائر، وغيرها: لا يجوز شرعاً، وقد نهى عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وتوعد بالعقوبة على فاعله.
ومن تكسَّب بهذا الفعل المحرَّم، فرسم لوحة لذات روح على ورق، أو طرَّز ثوباً بآلة، أو شكَّلها بطين، أو صنعها من خشب، وغير ذلك: فإنما يكسب سحتاً، ومالاً حراماً.
عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصوِّر هذه الصور فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ [أي: يجعل الله له] بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْساً فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ) .
وقال - أي: ابن عباس -: إنْ كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
رواه البخاري (٢١١٢) ومسلم (٢١١٠) .
ولا فرق بين أن يباشر صاحب المحل ذلك الرسم والتصوير بيده، أو يوكله لغيره ليقوم بهذا العمل، من حيث حرمة الكسب، ولو كان موظفاً في مصنع – مثلاً – ولم يباشر هو بنفسه الرسم على الملابس، أو التطريز، بل كان عمله خالياً من هذه المحرمات وغيرها: لكان كسبه حلالاً، وأما صاحب الشركة، أو المصنع، فعمل أي موظف عنده بشيء محرَّم يرجع كسبه للشركة أو المصنع: فإنما يبوء هو والموظف بالإثم، ويكون كسبهما محرَّماً.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أنا مقيم بالطائف، وأعمل في السوق في محل لبس نسائي، وفي بعض هذه الملابس صور، وأنا أعمل تحت كفالة المحل، وأنا كاره لهذه الصور، ومضطر أن أبيع هذه الملابس، فهل عليَّ إثم، علماً أنني لا أقدر أن أعمل غير هذا العمل؟ .
فأجاب:
أقول: إني أوجه النصيحة لصاحب المحل: أن لا يورد من الملابس ما ينافي الحشمة، أو الألبسة المشبوهة، وأن لا يورد ما فيه صور، حتى ولو كان للصغار , أنصحه وأؤكد عليه، وأخبره أن كل بيع محرَّم: فكسبه حرام , وإذا كان يأكل الحرام وتغذى بدنه به: كان حريّاً أن لا تُقبل دعوته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، قال النبي عليه السلام: (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟) .
وكيف يرضى المؤمن أن يأكل الحرام وأن يغذِّي به نفسه، وأهله، وأولاده؟! فليتق الله، ولا يورد هذه الأشياء.
وأمَّا بالنسبة للعامل: فلا يحل له أن يبيع ما كان محرَّماً بيعه؛ لأن كل مَن أعان على المحرَّم: فهو آثم، قال الله عالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، ولمَّا كان الربا من أشد الكبائر، وأعظمها بعد الشرك لعن النبي آكل الربا، وموكِله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: (هم سواء) .
" فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم ٣٧٣، الوجه: ب) .
ثانياً:
ما تذكرينه من صفات ذلك الزوج فإنه يستحق الوقوف معه، والتأني، فتحكيم عقله القاصر في النصوص الشرعية: ضلال، وهو دأب أهل البدع قديما وحديثاً، والغرور والعجب بالنفس أدواء مهلكة، فإذا أضيف إليها حرمة كسبه، ثم سوء تصرفه ـ على ما ذكرت ـ بالإيقاع بينك وبين أهله، فتدخلين في وسطهم بعلاقة مشوبة بالنفور، في أقل أحوالها، كل ذلك يجعلنا نقول لك ـ بصراحة: إن قرار البناء، وإتمام الزواج، يحتاج إلى توقف وتريث على الأقل؛ لأن الانتهاء من العقد قبل البناء أفضل منه بعده.
والذي ننصحك به هو ما يلي:
١. تكرار النصح والمناقشة معه للوصول إلى قناعة تامة إما بتركه لما هو فيه من معصية، وشبهة، وخطأ في المنهج، أو لتأكد ذلك عنده، وتثبيته عليه، فإن هداه الله للحق، وعلمت أن ذلك نابع عن تغير حقيقي، وليس مجرد مجاراة: فاستمري معه، ولك أجر هدايته، وإن أبى إلا الاستمرار على ما هو عليه: فلا خير فيه، وطالبيه بأن تفسخا النكاح بهدوء، ولينصرف كل إلى سبيله، وليبحث عن شبيهه؛ والانفصال الآن أفضل من الغد، أو من العيش في نكد.
وينظر تفصيل الخلع في جواب السؤال رقم: (٢٦٢٤٧) .
٢. إيقاف أهلك على حقيقة وضعه وحاله، إن كانوا سيتفهمون معك معاناتك؛ وأن مثل هذا ليس هو الذي يمكن استمرار الحياة معه، فوقوف أهلك إلى جانبك مهم جدّاً.
٣. ننصحك بالتروي والتمهل، واستخارة الله جل جلاله في ذلك، وصدق اللجوء إليه، والاستعانة بالناصح الأمين، ممن يعرفك ويعرفه، والاستنارة برأيه ونصيحته، قبل البت في إنهاء ما بينكما.
٤. بذل سبل هدايته من طرفك، بدلالته على مواقع في الإنترنت موثوقة يقرأ فيها، وبدلالته على كتب وأشرطة وبرامج في الفضائيات الموثوقة لأهل السنَّة، فغالب هؤلاء يكون الخلل عندهم من مصادر التلقي من مراجعهم الفقهية والعقيدية، وقد يكون في اطلاعه على ما تقترحينه عليه سبيل هداية له.
٥. هو الآن زوجك، فنرجو منك تحسين سلوكك معه، وإظهار المودة؛ من أجل هدف سامٍ غالٍ وهو هدايته مما هو فيه، ولا بأس من مشاركته فيما يقرأ، ويسمع؛ ليكون أدعى له للاستمرار في القراءة والسماع.
وبخصوص اختيار الزوج: فقد سبق منَّا بيان ذلك بكثير من التفصيل، فنرجو منك مراجعة أجوبة الأسئلة: (٥٢٠٢) و (٦٩٤٢) و (٦٩٩٦٤) و (٨٤١٢) و (١٠٥٧٢٨) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب