أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري ١٧ سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية. أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين , أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج. وأحيطكم علما أنه يصلي تارة ويدعها أخرى، ويشرب أحياناً الخمر.
الآن سؤالي: هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك ونبارك لك إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى.
ثانيا:
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب، واجب في أصح قولي العلماء، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (١١٧٧٤) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب.
ثالثا:
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا، فهو فاسق، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق. وينظر: "نهاية المحتاج" (٦/٢٣٨) ، "الإنصاف" (٨/٧٣) ، "حاشة ابن عابدين" (٣/٥٥) ، "حاشية الدسوقي" (٢/٢٣٠) ، "منح الجليل" (٣/٢٨٩) .
وعلى القول بعدم ولايته، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات. وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد، ثم ابنها، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (٧/٣٤٦) .
رابعا:
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه، كان عاضلا لها، تنتقل الولاية منه إلى من بعده.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري.
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (٩/٣٨٣) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (١٠/٩٧) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأَوْلى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخله فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (٣/١٤٨) .
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً: " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها: زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها (أن تشكوه للقاضي) وهذا حقٌ شرعي. فليتنا نصل إلى هذه الدرجة، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (١٠١٩٦) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه، فإنه يكون بذلك عاضلا، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي.
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (٢٠٨٥) والترمذي (١١٠١) وابن ماجه (١٨٨١) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (٢٤٤١٧) وأبو داود (٢٠٨٣) والترمذي (١١٠٢) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٧٠٩) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق، ولوالدك الهداية والمغفرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب