زخرفة المساجد والإسراف في بناء المآذن والقباب
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أنه من الصدقة الجارية بناء مسجد، فأريد من فضيلتكم بعض التوضيحات والتوجيهات عن هذا الأمر فيما يخص التالي: صفة المسجد الصحيحة والشرعية، المئذنة والقبة اللتان نراهما حديثا في بناء المساجد، هل هما لازمتان لبناء المسجد، وخاصة أن تكاليف بنائهما في بلدي قد تصل إلى ١٥٠٠٠ دينار ليبيي، ثم ما يخص حاجيات المسجد، من رخام وأبواب عالية الجودة وزجاج ومفروشات عالية الجودة والإنارة المضاعفة، ومثل هذه الأمور التي اعتدنا أن نراها في المساجد، كل هذا وما يشابهه ما حكم الشرع فيه، وكيف يكون بناء المسجد بصورة شرعية كاملة، أحتاج من فضيلتكم التوضيح التام لهذا الأمر. وجزاكم الله كل الخير على المجهود المميز لكم في هذا الموقع، الذي هو خياري الأول والأفضل عندي في كل الأحيان والأحوال، للخير العامر فيه والغيث النافع من العلم الذي أجده فيه!! سدد الله خطاكم في كل ما يحب ويرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك ـ أيها الأخ الكريم ـ حسن ظنك بإخوانك في الموقع، وتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من العلم النافع والعمل الصالح.
ثانيا:
بناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين، من أعمال البر والخير التي رتب عليها الشارع ثوابا عظيما، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة/١٨
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رواه البخاري (٤٥٠) ومسلم (٥٣٣) من حديث عثمان رضي الله عنه.
وروى ابن ماجه (٧٣٨) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني.
والقطا طائر معروف، ومَفحص القطاة بفتح الميم: موضعها الذي تجثم فيه، وتبيض، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل، إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد. ينظر: حياة الحيوان للدميري.
قال أهل العلم: وهذا مذكور للمبالغة، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد.
ثالثا:
لا حرج في بناء القبة على المسجد لغرض الإضاءة والتهوية، وكذلك بناء المئذنة لأجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد فُيقصد من قِبَلِِ المصلِّين؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، لكن ينبغي الاقتصار على ما يحقق الغرض، من غير إسراف، فيكفي في المئذنة بناء مستقيم مرتفع، بلا زخارف أو زينة، وإن بني المسجد بدونها فلا حرج.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز بناء القبب في المساجد إذا كانت لغرض الإضاءة والتهوية؟
فأجابوا:: لا نعلم حرجا في ذلك إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٦/٢٤٦)
وجاء فيها أيضا (٦/٢٥٤) : " يعترض بعض الناس على إنشاء المآذن أصلا ويعتبر ذلك مخالفا للسنة وتبذيرا للمال، ويرد عليه فريق آخر بأن المآذن أصبحت معلما يشهر المسجد ويدل عليه في وسط البنايات المزدحمة المرتفعة، وهي تحجب الرؤية من بعيد، والمسجد بمئذنته السامقة يشعر الكثيرين بأن المسلمين ما زالوا بخير أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها.
ج: لا حرج في إقامة المآذن في المساجد، بل ذلك مستحب لما فيه من تبليغ صوت المؤذن للمدعوين إلى الصلاة، ويدل على ذلك أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أسطح بعض على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده، مع إجماع علماء المسلمين على ذلك " انتهى.
ثالثا:
ينبغي ترك الإسراف والمغالاة في الفرش والأبواب ونحوها، فإن الله تعالى لا يحب المسرفين.
وبوب البخاري في صحيحه: " باب بنيان المسجد، وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل – يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم-، وأمر عمر ببناء المسجد وقال: َأِكنّ الناسَ من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " انتهى.
وروى أبو داود (٤٤٨) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الخطابي رحمه الله: التشييد: رفع البناء وتطويله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب