للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إثم الاعتداء على ملك الغير وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة

[السُّؤَالُ]

ـ[قضية تؤرقني كثيرا ومنذ أمد بعيد، والدي وأخوه لهما أرضان متجاورتان، سكن والدي ولم يسكن عمي، بقيت أرض عمي بياضا لم تسكن، بدأ الوالد يزحف شيئا فشيئا على أجزاء من أرض أخيه، توفي العم وبقي الوالد ولله الحمد بصحة وعافية، ولكن ما زال يتوسع في الأخذ من أرض العم، أبناء العم الذين هم الورثة سكتوا ولم يُبْدوا أي شيء. يغضب الوالد غضبا شديدا عندما أكلمه بهذا الموضوع لأني أحاول به أن يتخلص منها بشراء أو برجوع عنها، ولا يرضى بهذا البتة، مازلت أسكن مع الوالد بهذه الأرض سؤالي هو: هل يأثم الوالد بفعله هذا وهل يعتبر متعديا على حقوق الغير؟ هل لمثل هذه الأرض أثر على قبول العبادة التي تؤدى عليها كالصلاة ونحوها؟ هل آثم لو جاريت الوالد بالسكنى فيها على ما فيها من شبهةٍ؟ وما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة؟ علما بأن بداية هذه المشكلة قديمة؟ وهل سكوت صاحب الحق يفهم منه أنه قد سامح بذلك؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

لا يجوز الاعتداء على حق الغير، أرضا كانت أو غيرها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/٢٩. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (٢٠١٧٢) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٤٥٩) .

وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق، فقد روى البخاري (٣١٩٨) ومسلم (١٦١٠) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) .

وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٤٠) .

وروى مسلم (١٩٧٨) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) .

ومنار الأرض: علاماتها وحدودها.

فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد الحق إلى أهله، وسكوت الورثة عن فعله لا يعني رضاهم به، لكن لعلهم يراعون حق القرابة، ولا يريدون إثارة المشاكل.

وينبغي أن تستمر في نصحه وتذكيره، ولو استعنت ببعض أهل الخير والصلاح كان حسنا، كأن تشير على خطيب الجامع أن يتكلم على الظلم وأكل المال بالباطل ويشير إلى الاعتداء على أرض الغير، فإن هذا المنكر مما تساهل فيه بعض الناس.

ثانيا:

الأرض المغصوبة لا يحل البقاء فيها، ويلزم الخروج منها، والصلاة عليها محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى عدم صحتها كما هو مذهب الحنابلة، ومنهم من يرى صحتها مع الإثم، وهو مذهب الجمهور.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مُلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟ " انتهى من "الشرح الممتع" (٢/٢٤٨) .

ثالثا:

لا يجوز أن تجاري والدك في السكنى على ما غصب من الأرض، بل لا يجوز أن تطيعه لو أمرك بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما الجزء المملوك لوالدك فلا حرج عليك ولا عليه في سكناه والانتفاع به.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>