هل يرى المسلمُ مَن يشاء مِن نساء الجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمرء المسلم إن كان من أهل الجنة أن يرى صحابيات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا بلغ منازلهم، وكذلك الصالحات من النساء كرابعة العدوية وغيرها من النساء المؤمنات؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس في الجنة نظر سوء، ولا مرض قلب حتى يبحث الرجال في الجنة عن نساء غيرهم، ولا النساء يبحثن عن رجال يعرفونهم في الدنيا، فالجنة دار كرامة الله تعالى، لا فيها خبث ولا شر ولا سوء، وليس فيها شهوة محرمة لا تمنيّاً ولا وجوداً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) .
رواه البخاري (٣٠٧٣) ومسلم (٢٨٣٤) .
وفي البخاري (٣٠٨١) : (وَلَا تَحَاسُد) .
ثانياً:
ومن نعيم الجنة للرجل أن يرزقه الله زوجات تقصر حبها ونظرها عليه، ولا ترى أحسن منها، ولا تشتهي غيره.
قال تعالى: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) الصافات/٤٨.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذِكْره: وعند هؤلاء المخلصين من عباد الله في الجنة: قاصرات الطرف، وهنَّ النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن، لا يُردن غيرهم، ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم.
" تفسير الطبري " (٢١ / ٤١) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) أي: وعند أهل دار النعيم في محلاتهم القريبة حور حسان، كاملات الأوصاف، قاصرات الطرف، إما أنها قصرت طرفها على زوجها، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله، بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها، وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق، الذي أوجب لزوجها أن يقصر طرفه عليها، وقصر الطرف أيضاً يدل على قصر النفس والمحبة عليها، وكلا المعنيين محتمل، وكلاهما صحيح، وكل هذا يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة، ومحبة بعضهم بعضا، محبة لا يطمح إلى غيره، وشدة عفتهم كلهم، وأنه لا حسد فيها، ولا تباغض، ولا تشاحن، وذلك لانتفاء أسبابه.
" تفسير السعدي " (ص ٧٠٢) .
والظاهر أن قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) ، وقوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ) ص/٥٢: أنها في الحور العين، وفي نساء الدنيا من أهل الجنة، ومعنى (عين) : أي: واسعة العين، ومعنى (أتراب) أي: في سنٍّ واحدة.
ثالثاً:
ولن تكون امرأة في الجنة من غير زواج، فلكل امرأة زوج، وليس في الجنة أعزب.
عَنْ أبي هرَيْرَة رضَيَ الله عنه قال: قَالَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ) رواه مسلم (٢٨٣٤) .
رابعاً:
وأما بخصوص هذه المسألة تحديداً: فالظاهر من النصوص أن المرأة تعيش مع زوجها وذريتها في مملكتها في الجنة، وأنها تكتفي بزوجها عن الناس – كما سبق -، ولم يرد نصٌّ خاص في رؤيتها للأجانب عنها هناك، ولا رؤية الرجال للصالحات والعابدات من المؤمنات من أهل الجنة.
قال الشيخ عبد الرحمن البراك – حفظه الله -:
إن أمور الغيب لا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر عن المعصوم؛ لأن أمور الغيب لا تدرك بالعقول والتفكير، فأمور الجنة من الغيب المستور، والواجب الوقوف عند ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، فيجب الإيمان بالجنة وما أخبر الله به من أصناف النعيم فيها، مع العلم بأن حقائقها لا يعلمها إلا الله، ولم يأت في النصوص أن الرجل يلقى نساء الآخرة، فلم يرد نفي ولا إثبات للرؤية المسؤول عنها، وليس لنا أن نقول: إن الإنسان يمكن أن يرى أمهات المؤمنين، أو نقول: لا يمكن، بل يجب أن نمسك عن التفكير في هذا والخوض فيه، فإنه من الفضول، وليس مما يشرع الدعاء به، ولا مما يشرع تمنيه، لكن الذي دل عليه القرآن أن المؤمنين يلتقون ويجلسون على السرر متقابلين، كما قال تعالى: (ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين. على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين) الواقعة/١٣ - ١٦، وفي الآية الأخرى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) الحِجر/٤٧، فلا ينبغي الخوض في أمور الغيب بلا علم، بل إذا طرح مثل هذا السؤال فينبغي أن يجيب الإنسان بقوله: الله أعلم، ويوجه السائل إلى عدم الخوض في ذلك؛ لأنه لا فائدة فيه، (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) الإسراء/٣٦، وقالت الملائكة: (سبحان لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) البقرة/٣٢.
نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنات النعيم، وصلى الله وسلم بارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
نقلاً عن " موقع الإسلام اليوم ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب