للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل خص النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بقوله إني أحبك؟

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت في كتاب " الصلاة " أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قال مرة لمعاذ رضى الله عنه: " إني أحبك " فقال معاذ رضى الله عنه: " وأنا أحبك " فأخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بيد معاذ وقال له: " أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ". وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحب جميع أصحابه، فلماذا لم يقل " إني أحبك " إلا لمعاذ رضى الله عنه. ربما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك لصحابة آخرين أيضا، لكن لماذا لم يقل ذلك لجميع صحابته؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

معاذ بن جبل رضي الله عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقربين، ومن الذين شهد لهم بالعلم والفقه والدين، أمر صلى الله عليه وسلم الناس بأخذ القرآن عنه، وبعثه إلى اليمن معلما وداعيا وأميرا، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عمر في الناس فقال لهم: من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل.

توفي رضي الله عنه سنة ثمان عشرة أو سبع عشرة للهجرة.

انظر: "سير أعلام النبلاء" (١/٤٤٣) .

وقد أحبه النبي صلى الله عليه وسلم حبا عظيما، وصرح له بذلك، بل وأكده بيمين حلفها بالله عز وجل، وكرر العبارة والكلمة ليقع في قلب السامع عظيم قدر هذه المحبة والمودة.

فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) رواه أبو داود (١٥٢٢) قال النووي في "الأذكار" (ص/١٠٣) : إسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص/٩٦) : إسناده قوي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وفي إحدى روايات الحديث – كما عند البخاري في "الأدب المفرد" (١/٢٣٩) وصححها الألباني في "صحيح الأدب المفرد" – أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا والله أحبك) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة علية؛ فإنه قال له: (يا معاذ والله إني لأحبك، وكان يردفه وراءه) . وروي فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، وأنه يحشر أمام العلماء برتوة - أي بخطوة -.

ومن فضله أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا عنه، داعيا، ومفقها، ومفتيا، وحاكما إلى أهل اليمن. وكان يشبهه بإبراهيم الخليل عليه السلام، وإبراهيم إمام الناس، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (١٠/٦٥٤)

فهذا الحديث – ولا شك – فضيلة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، غير أنه لم يختص بهذه الفضيلة دون باقي الصحابة، فقد ورد تصريح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة رضوان الله عليهم بمحبته لهم على وجه الخصوص أو العموم، ونحن نذكر ههنا بعض ما ورد في ذلك:

١- تصريحه صلى الله عليه وسلم بمحبة الأنصار جميعا:

فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ مِنْ عُرُسٍ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثِلًا – يعني قائما منتصبا - فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ. قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ) رواه البخاري (٣٧٨٥) ومسلم (٢٥٠٨) وبوب عليه البخاري بقوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي.

٢- تصريحه بحب أبي بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم:

فقد سأل عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضى الله عنه النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَعَدَّ رِجَالاً. رواه البخاري (٣٦٦٢) ومسلم (٢٣٨٤)

٣- التصريح بحب الحسن والحسين:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِحَسَنٍ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ) رواه البخاري (٣٧٤٩) ، ومسلم (٢٤٢١) .

وروى الترمذي (٣٧٦٩) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن والحسين رضي الله عنهما: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا) وحسنه الألباني في سنن الترمذي.

٤- التصريح بحب زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد:

فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ عن زيد بن حارثة وابنه أسامة: (إِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ [يعني: زيداً] ، وَإِنَّ هَذَا [يعني: أسامة] لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ) . رواه البخاري (٤٢٥٠) ومسلم (٢٤٢٦) .

وليست هذه جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب، بل هناك الكثير من الأحاديث التي تتضمن معاني المودة والمحبة والتقدير من النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته الكرام، فقد كان يحبهم جميعا، وإنما خص بعضهم بألفاظ المحبة لمزيد عناية بهم، ولما لهم من المكانة الخاصة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>