هل يجوز لها أن تعمل مربية لبنت تعمل أمها في " كازينو "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة تقيم في أمريكا، تعمل مربية وحاضنة لطفلة صغيرة أثناء غياب جدتها في العمل، وجدتها هي المسئولة عنها. وهي التي تدفع المال للمربية، وقد علمت مؤخراً أن أم الطفلة تعمل في "كازينو" وعملها فيه هو غسل الأواني فقط لا غير، ولها عدة أسئلة: ١. هل هذا العمل كله في حد ذاته لا يجوز الاستمرار فيه؟ . ٢. وهل المال التي تقبضه منها هو مال حرام؟ ، تقول هي: لما علمت بالأمر لم تتصرف بالمبلغ الأخير الذي حصلت عليه من هذه المرأة حتى تسأل ما حكم الشرع في هذا؟ ٣. تقول: وإذا كان هذا المال حراماً ماذا تعمل بالذي ما زال محفوظاً عندها؟ وماذا عليها فيما أخذته سابقا قبل أن تعلم بالحقيقة؟ . ٤. أيضاً تقول: إن " الجدَّة " هي التي تدفع هذا المبلغ المالي لهذه المسلمة؛ لأن هذه الجدة هي التي تحضن حفيدتها، وتقوم بمصالحها ورعايتها. ٥. أيضاً تقول: إن كانت هذه المرأة المسلمة محتاجة للضرورة لهذا العمل، ولهذا الدخل المالي، فهل لها أن تأخذه؟ وتستمر في هذا العمل أم لا؟ . مع العلم أني حاولت كثيراً دعوة هذه الجدة إلى الإسلام، ولكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نقول للأخت المسئول عنها:
زادكِ الله حرصاً وتفقهاً في دينكِ، وشكر لكِ تحرِّيكِ الحلال من الرزق، ونسأل الله أن يتم عليك نعمه، ويزيدك من فضله، ونفصل لها في الجواب فنقول:
أولاً:
لا يجوز للمسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا لعذر شرعي – كعلاج ودعوة وتجارة -؛ لما في ذلك من خطورة على دين المسلم، وعلى أسرته إن كان له زوجة وأولاد، ولا يستطيع المسلم أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصحيحة، ولا أن يؤدي الأمانة على وجهها، وهو مستقر في تلك البلاد، ولا يعدُّ العمل من الأعذار التي تبيح لأحدٍ من المسلمين الإقامة في بلاد الكفر، ويتأكد النهي والمنع والمفسدة في حال كون المقيم والعامل هناك امرأة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم العمل في دول الكفر، كدول أوربا وأمريكا؟ وهل يتغير الحكم لو عمل عند مسلم في مؤسسات مسلمة، ولكن في نفس البلد الكافر؟ .
فأجابوا:
" يجب على المسلم أن يهاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام؛ محافظة على دينه؛ وتكثيراً لجماعة المسلمين؛ وليتعاون معهم على إقامة شعائر الإسلام، وسيجد لنفسه - بإذن الله - طرقاً عدة للكسب والمعيشة المباركة بين المسلمين، مع الأمن على دينه إن اتقى الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ ٢،٣.
ومِن هذا يُعلم أن عمل المسلم في بلاد الكفر - وهو يقوى على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام -: لا يجوز، سواء كان عمله في محل كافر أم مسلم، إلا أنَّ عمله في محل كافر أشدُّ منعاً؛ لما يتوقع في ذلك من مزيد الخطر والذل، لكن إذا كان عالِماً وله نشاط في الدعوة إلى الإسلام، ويرجى أن يتأثر الكفار بدعوته، وتقوم به الحجة عليهم، ولا يُخشى عليه فتنة في دينه أو نفسه: فله أن يقيم بينهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
ومن كان مستضعفا لا يقوى على الهجرة: فهو معذور في إقامته بين الكفار، وعلى إخوانه المسلمين أن يساعدوه ليتمكن من الهجرة إلى بلد يأمن فيه على دينه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٤ / ٤٧٥، ٤٧٦) .
وينظر جوابي السؤالين: (٣٨٢٨٤) و (١٣٣٦٣) .
ثانياً:
إذا أبى المسلم إلا الإقامة في بلاد الكفر، أو كان لا يستطيع الخروج منها لعذرٍ شرعي: فإنه إن تمكن من ترك العمل عند الكفار فهو أولى، وليُعلم أن عمله يكون محرَّماً – سواء كان عند مسلم أم عند كافر - إن كانت طبيعته محرَّمة، كأن يعمل في محل لبيع الخمور، أو في فندق تشتمل خدماته على المحرمات، أو في بنوك ربوية، أو شركات تعمل في مجالات تنشر الفساد والمعاصي والموبقات، كما لا يجوز أن تكون بيئة العمل مختلطة رجالاً ونساءً.
ومن عمل عند كافرٍ في عمل مباحٍ: فماله حلال، ولو كان أجيراً عند كافرٍ، مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره " انتهى " المغني " (٤ / ٣٣٣) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم مَن يشتغل عند شخص غير مسلم، هذه النقود التي يقبضها مِن عنده هل هي حلال أم حرام؟ .
فأجابوا:
" تأجير المسلم نفسه للكافر: لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحاً: كبناء جدار، أو بيع سلعة مباحة، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء ل من البئر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة) أخرجه البيهقي وابن ماجه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٤ / ٤٨٦) .
وبخصوص عملك في رعاية وعناية حفيدة تلك الجدة: فالذي يظهر لنا هو أن عملكِ مباح، وأن المال الذي كسبتِه قديما وحديثاً حلال لكِ، وبخاصة أن عملك لا يتطلب الخروج من المنزل، ولا الاختلاط بالرجال، ولا الذل للكفار، بل أنتِ آمنة مستقرة في بيتك، وهم الذين يُحضرون ابنتهم عندك، وأما إن كنتِ أنتِ التي تذهبين إليهم: فلتحذري من وجود الرجال الأجانب عنك، وما فيه من مفاسد ومحرَّمات، ولتحذري من الخلوة مع أحدهم؛ فهو من المحرَّمات، واحرصي على أن يكون الأمر على الصورة الأولى، وهي أنهم هم الذين يحضرون ابنتهم إلى بيتكِ.
واحرصي وإستمري على دعوة الجدة وابنتها للإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ ٣٣، وقَالَ سَهْلٌ بْنُ سَعْد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم) رواه البخاري (٢٨٤٧) ومسلم (٢٤٠٦) .
ونوصيكِ بإتقان عملك، حتى تكوني أنموذجاً للمسلم الذي يؤدي الأمانة على وجهها، وإن كنَّا نرى لك عدم البقاء في تلك الديار، كما سبق وذكرنا في أول الجواب، لكن هذا لا يمنعنا من ذِكر حكم عملك، ولا يمنع من نصحك وتوجيهك للأصلح لك ولدينك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب