حديث: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح وهو: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث يروى عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم:
الحديث الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: (ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) .
وقد جاء عنه من طريقين:
الطريق الأول: رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/٢٦) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (٦/١٠٥) ، والترمذي في "الجامع" (١٩٨٦) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (١٠/١٢٩) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٩/٣٢٠) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٤/٤٥١) جميعهم من طريق:
أبي اليقظان، عن زاذان، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً.
وهذا السند ضعيف، بسبب أبي اليقظان واسمه عثمان بن قيس، قال فيه يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك.
انظر: "تهذيب التهذيب" (٧/١٤٦) .
الطريق الثاني: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢/٤٣٣) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٣/٣١٨) وغيره من طريق:
الحارث بن مسلم، ثنا بحر بن كثير، عن الحجاج بن فرافصة، عن الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر.
وهذا السند ضعيف جدا أيضا بسبب بحر بن كثير السقا، قال فيه الذهبي في "الضعفاء" (١/١٩٢) : "كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه؛ حتى استحق الترك" انتهى.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، ولفظ حديثهما:
(ثلاثة على كثيب من مسك أسود يوم القيامة، لا يهولهم الفزع، ولا ينالهم الحساب: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم به راضون. ورجل أذن في مسجد دعا إلى الله ابتغاء وجه الله. ورجل ابتلي بالرق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن طلب الآخرة) .
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٣/٣٨٢) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (٣/٣٥٥) من طريق: الفضل بن ميمون السلمي، عن منصور بن زاذان، عن زاذان أبي عمر الكندي، قال: سمعت أبا سعيد وأبا هريرة رضي الله عنهما.
وهذا السند ضعيف جدا أيضا، فيه الفضل بن ميمون، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (٤/٤٥١) : "الفضل بن ميمون، أبو سلمة، شيخ لعارم، قال أبو حاتم: منكر الحديث، سمع معاوية بن قرة وجماعة. قال بن المديني: لم يزل عندنا ضعيفا. انتهى، وضعفه الدارقطني في العلل، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهما" انتهى.
فالحاصل: أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نص جماعة من الأئمة والعلماء على تضعيفه، كالإمام البخاري رحمه الله في "التاريخ" (٦/١٠٥) . والدارقطني في "العلل" (١٣/١٥٩) . وابن عساكر في "معجم الشيوخ" (٢/١٤٧) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (١/٣١٩) . والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٦٨١٢) ، وضعفه محققو مسند الإمام أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (٨/٤١٨) .
ثانياً:
أما مضمون الحديث، فقد جاء بذكر فضائل ثلاثة من الأعمال الجليلة، وهذه الأعمال لا تتوقف فضيلتها على هذا الحديث الضعيف، بل أجرها مستقر بأدلة وشواهد أخرى:
١- أما الإمامة في الصلاة: فيقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " هذه الوظيفة الدينية المهمة التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتولاها خلفاؤه الراشدون ... ولهذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي؛ لما يعلمون في ذلك من الفضيلة والأجر. لكن مع الأسف الشديد؛ نرى في وقتنا هذا كثيرًا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة، ويزهدون فيها، ويتخلون عن القيام بها؛ إيثارًا للكسل وقلة رغبة في الخير، وما هذا إلا تخذيل من الشيطان، فالذي ينبغي لهم القيام بها بجد ونشاط واحتساب للأجر عند الله؛ فإن طلبة العلم أولى بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة " انتهى باختصار. " الملخص الفقهي " (١/٢١٥-٢١٦) .
٢- وأما الأذان، فقد سبق بيان فضائله في جواب السؤال: (٧٠٤٧٢) .
٣- وأما إحسان العبد إلى مولاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ) رواه مسلم (١٦٦٦) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب