إعطاء الهدية لمعلم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد ما أقدمه إلى معلمة القرآن في المسجد من هدية يعد من الرشوة علما بأنه للتعيلم فقط لا من أجل الشهادة والعلامات لكن من باب الاحترام والتقدير فقط لا غير. وهي تقول: أخشى على نفسي من هذا الباب ولا تقبل من الدارسات شيئا. فما حكم الشرع في الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهدية لمعلم القرآن فيها تفصيل حاصله ما يلي:
أولا: إن كان المعلم يدرس جماعة من الطلاب، ويمنحهم الشهادات والعلامات (الدرجات) ، فلا يجوز له قبول الهدية من أحدهم، لما يفضي إليه ذلك غالبا من ميل القلب إليه، وتفضيله على غيره، وإفساد قلوب الآخرين عليه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الطالبات تهدي لمعلمتها هدية في المناسبات، فمنهن من تدرّسها الآن، ومنهن من لا تدرّسها ولكن من المحتمل أن تدرسها في الأعوام المقبلة، ومنهن لا احتمال أن تدرسها كالتي تخرجت. فما الحكم في هذه الحالات؟
فأجاب:
الحالة الثالثة لا بأس بها، أما الحالات الأخرى فلا يجوز. حتى ولو كانت هدية لولادة أو غيرها، لأن هذه الهدية تؤدي إلى استمالة قلب المعلمة.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله عن معلمة في مدارس تحفيظ القرآن التابعة للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لا تأخذ مقابل تدريسها أجرة، في نهاية العام الدراسي وبعد توزيعها الشهادات على الطالبات قد يقدمن لها هدية عبارة عن ذهب أو غيره ما حكم قبولها لهذه الهدية؟ ورفضها للهدية يكسر نفس الطالبات ويحز في نفوسهن خاصة وأنها قد قدمت لهن الهدايا.
فأجاب: إن كانت الطالبة قد أنهت الدراسة وسوف تغادر هذه المدرسة فتنتفي الرشوة هنا، أما إذا كانت العلاقة المدرسية ستبقى بينهما فيخشى أن هذه الهدية تسبب ميل المعلمة إلى هذه الطالبة والتغاضي عن أخطائها وعدم العدل بينها وبين غيرها.
ثانيا:
إذا لم يكن هناك عدد من الطلاب تجري بينهم المنافسة، ويتطلب تحقيق العدل بينهم، كأن يكون المعلم يدرّس طالبا بمفرده، فقد اختلف أهل العلم في إهداء الطالب إليه حينئذ، فمنهم من منعه استدلالا بحديث القوس، وهو ما رواه أبو داود (٣٤١٦) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأَسْأَلَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومنهم من أجازها إذا كانت عن طيب نفس من الطالب، واستدلوا بما يفيد جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة اللديغ: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (٥٧٣٧) ، وإذا جازت الأجرة فالهدية من باب أولى.
وحملوا حديث عبادة المتقدم (حديث القوس) على أنه كان في وقت حاجة الناس إلى من يعلمهم القرآن، حتى لا تتم المتاجرة بتعليم القرآن، فيُحْرم منه فقراء المسلمين، وقد يؤيد ذلك أن الحديث وارد في تعليم أناس من أهل الصفة، وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس، فهم يستحقّون أن يعطوا المال لا أن يؤخذ منهم.
قال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (١/٢٩٨) : " قال أصحابنا في المعلم: إن أُعطي شيئا بلا شرط جاز , وإنه ظاهر كلام أحمد , وكرهه بعض العلماء لحديث القوسين".
وفي "حاشية قليوبي وعميرة" (٤/٣٠٤) : " الإهداء للمفتي والمعلمِ ولو لقرآنٍ والواعظِ يندب قبوله إن كان لمحض وجه الله تعالى , وإلا فالأولى عدمه، بل يحرم إن لم يعلم أنه عن طيب نفس " انتهى.
وانظري في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن جواب السؤال رقم (٢٠١٠٠)
وبناء على ما سبق، فإن هذه المعلمة قد أخذت بالأفضل، وأحسنت في عدم قبول الهدية من الطالبات، فجزاها الله خيرا، وحقَّ لها أن تخشى على نفسها من قبول الهدية، فإن النفس مجبولة على التعلق بمن أحسن إليها، وهذا قد يدعو إلى الإيثار والتفضيل، شعر الإنسان أو لم يشعر.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والعون على حفظ كتابه والعمل بما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب