للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زوجته تعترض على نفقاته على أهله

[السُّؤَالُ]

ـ[أمي تطلب مني أشياء كثيرة، ودائما أنفذ لها ما تريد، وأحيانا تطلب مبالغ مالية كبيرة، وتقول لي: إنها سلف، برغم أني أعلم أنها لن تستطع رد كل هذه المبالغ، وذلك إما لشراء سيارة حديثة، أو لمساعدة أخي الأصغر. مع العلم أني أدفع مبلغاً شهرياً لعلاج أبي، وأعطي أمي كل ما تطلبه. زوجتي غير راضية عن ذلك، وهذا الأمر يسبب لي عددا من المشاكل معها. هل أنا مخطئ في استمراري على إعطاء أمي ما تطلبه مني، خاصة وأن أوجه إنفاقه غير مقنعة لي ولزوجتي.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

نشكر لك برك بأمك وأبيك، وحرصك على تلبية طلباتهم، ونُذكرك بأنَّ حقَّ الوالدين على الإنسان عظيم، فقد قرن سبحانه وتعالى حقهما بحقه فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/٢٣.

وأوصى بالإحسان إليهما فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) الأحقاف/١٥.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "وصى الأولاد وعهد إليهم أن يُحسنوا إلى والديهم، بالقول اللطيف والكلام اللين، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك من وجوه الإحسان" انتهى من "تفسير السعدي" (١ /٧٨١) .

وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) البقرة/٢١٥.

فنفقة الإنسان على والديه وأقاربه من أولى النفقات وأعظمها أجراً.

وعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: (يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) . رواه النسائي (٢٥٣٢) وحسنه الألباني في "الإرواء" (٢١٧١) .

وإذا كان والداك فقيرين، فمن الواجب عليك النفقة عليهما، وبذل كل ما يحتاجان إليه من غذاء وملابس ودواء ونحو ذلك.

وقد سبق بيان وجوب النفقة على الوالدين في جواب السؤال (١١١٨٩٢) ، (١٢٩٣٤٤) .

وأمَّا شراء الكماليات للوالدين فليس من النفقة الواجبة على الابن، إلا أنَّ بذل المال لهما في ذلك من الإحسان الذي تُؤجر عليه.

وبما أن الله قد أنعم عليك وفتح لك من أبواب رزقه، فأهلك هم أولى الناس ببرك وإحسانك.

وليس من حق زوجتك أن تعترض على ما تقدمه لأهلك من نفقات ومعروف وبر، إذا كنت تقوم بأداء النفقة الواجبة عليك تجاه زوجتك وأولادك.

ولكن لزوجتك الحق في الاعتراض إذا كنت تساعد أمك على الإسراف وتضييع المال وشراء ما لا تحتاج إليه، فإن الله تعالى نهانا عن الإسراف، وأخبرنا أنه لا يحب المسرفين، فقال عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/٣١.

فإذا طلبت منك والدتك شيئاً من المال لتنفقه فيما لا تحتاج إليه فينبغي لك أن لا تساعدها على ذلك، بل تلطف معها وأرشدها إلى أهمية الحفاظ على المال وعدم تضييعه.

والحقيقة التي ينبغي أن تعلمها زوجتك ويعلمها جميع المسلمين أن الإنسان كلما أنفق ماله في مرضات الله فإن الله تعالى يخلف عليه، ويوسع عليه رزقه، قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/٣٩.

وروى البخاري (١٤٤٢) ومسلم (١٠١٠) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ الَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) .

قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان ونحو ذلك بحيث لا يذم ولا يسمى إسرافاً، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا" انتهى.

وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك) رواه البخاري (٤٦٨٤) ومسلم (٩٩٣) .

ففي هذا الحديث: الحث على الإنفاق في مرضات الله تعالى، وأن الله يخلف على من أنفق، ويوسع عليه من رزقه وخزائنه لا تنفذ.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>