للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدتها تطلبها لرؤيتها وهي لا تستطيع السفر إليها

[السُّؤَالُ]

ـ[أقيم في بلد غربي منذ ١١ عاما بعيدا عن والديّ، وقد توفي أبي، وأمي وأخواتي الأربع يقمن في العراق، ولدي ٨ أطفال سنهم يتراوح بين سنتين وثلاث عشرة سنة، وأمي مسنة ومريضة وهي تتصل بي دائما وتطلب مني أن أعود لبلدي لأراها قبل أن تموت، والعودة صعبة لأني لا أستطيع أن أترك أطفالي وحدهم، وزوجي لا يوافق على عودتي وتركي أولادي وحدهم، وليس لي محرم أسافر معه، وأنا أرسل لأمي نقودا، وأتصل بها كثيرا وأبكي دائما، وأنا أعلم أن عليّ أن أرضي أمي، ولكني لا أستطيع أن أترك أطفالي في بلد كافر، وزوجي يعمل بالنهار والليل، وليس لي أقارب هنا، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطيع أمي وأترك أولادي وأعود إلى بلدي دون إذن زوجي؟ أم أطيع زوجي وأبقى مع أولادي؟ أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن والسلام عليكم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أسأل الله تعالى المعافاة التامة لوالدتك، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة والعافية في الدنيا والآخرة.

وأبشرك – أختي الكريمة – بأن الله سبحانه وتعالى حين يعلم منك حب الوفاء لوالدتك والسعي لتحقيق مرضاتها وطلب رضاها والعمل على برها سيكتب لك ثواب ذلك كله بمنه وكرمه وفضله.

ومفتاح الأمر الصبر، إذ به تنال الرغبات وتفرج الكربات، فلعل الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا الفراق كي يرى منكم الصبر والتصبر، ثم يكون فرجه بأن ييسر أمر اجتماعكم من حيث لم تحتسبوا، وينعم عليك بقرب والدتك ولو بعد حين.

إلا أنه لا يفوتني تنبيهك على بعض الأحكام الشرعية المهمة في هذا الشأن:

١- التذكير والتأكيد على حرمة سفر المرأة من غير محرم.

قال البغوي:

" لم يختلفوا في أنَّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم " انتهى.

نقله في "فتح الباري" (٤/٧٦)

وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في أجوبة الأسئلة الآتية:

(٩٣٧٠) ، (٢٥٨٤١) ، (٤٧٠٢٩) ، (٥٢٧٠٣) ، (٨٢٣٩٢)

٢- من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر لزيارة والديها إذا كان يترتب على سفرها بعض المفاسد، مثل الخوف على الأبناء، أو الخوف على حياة الزوجة إذا عدم الأمان في البلد الذي ستسافر إليه، أو عدم توفر محرم وانشغال الزوج بعمله، وحينئذ لا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فتسافر من غير إذنه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها. وإنما اختلفوا في السفر لحج الفريضة. انظر "فتح الباري" (٤/٧٧) ، هذا في الأسفار التي يترتب عليها المفاسد السابقة.

فإن أمنت جميع هذه المفاسد، وتوفر المحرم، فلا يجوز للزوج حينئذ أن يمنعها من بر والديها وزيارتهم بما يحقق المقصود، فإن بر الوالدين من أوجب الواجبات، ولا شك أن من البر زيارة الوالدة المريضة التي تسأل ابنتها أن تراها قبل أن يحل أجلها وقد طال غيابها عنها.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (١٩/١١٠) :

" ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف " انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٥/٣٨٧) :

" يجب على الزوج أن يحسن عشرة زوجته، امتثالا لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف الإذن للزوجة بزيارة أهلها وإيصالها إليهم، ولا يكون سوء التفاهم لا سيما في الأمور الدنيوية حائلا دون ذلك، أما إذا كان يترتب على زيارة الزوجة لأهلها مفسدة فإن للزوج أن يمنع الزوجة من الزيارة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " انتهى.

فإن أصر الزوج على منع زوجته من زيارة الوالدين، فهل يجوز لها أن تخالفه وتخرج لزيارتهم؟ اختلف في ذلك أهل العلم على قولين سبق ذكرهما في موقعنا في جواب السؤال رقم (٨٣٣٦٠) .

ونحن لا نختار للمرأة أن تخالف زوجها فتخرج من بيته بغير إذنه، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على البيت والأسرة والعلاقة بين الزوجين، ودرء هذه المفسدة أولى من جلب المصلحة في زيارة الوالدين، خاصة وأن التأني ومحاولة التفاهم مع الزوج كي يسمح ويساعد في سفر المرأة لرؤية والدتها أمر قريب ممكن، ومع حسن الأدب والحوار والخطاب بالخير والحسنى يلين الله القلوب بإذنه، ويعطفها إلى الوفاق إن شاء الله تعالى.

وانظري سؤال رقم (١٤٢٦) (١٠٦٨٠)

٣- ونذكركم أيضا بما سبق تقريره في موقعنا تحت رقم (١١٧٩٣) ، (١٤٢٣٥) ، (٢٧٢١١) من التحذير من الإقامة في بلاد الكفار، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الدين والأخلاق، نرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها، فإن دين المسلم رأس ماله، ولا يجوز له أن يفرط فيه فيضيع نفسه وأبناءه مقابل دراهم يتلقاها من بلاد الكفر والرذيلة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>