معنى: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (الأقرأ لكتاب الله) في الحديث الذي فيه صفات الإمام الذي يصلي بالناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (٢٣٧٣) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وفي رواية فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
هذا الحديث هو الأصل الذي بنى عليه العلماء القول فيمن هو الأحق بالإمامة.
وقد ذكر الحديث أن الأسباب المرجِّحة في الإمامة خمسة: (الأقرأ لكتاب الله، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأسبق إلى الهجرة، ثم الأسبق إلى الإسلام، ثم الأكبر سنا) .
فالوصف الأول هو: الأقرأ لكتاب الله.
والأقرأ يشمل معنيين:
الأول: الأكثر قرآنا.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري (٦٩٢) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) .
وفي رواية: (وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ) .
فقوله: (وَكَانَ أَكْثَرهمْ قُرْآنًا) إِشَارَة إِلَى سَبَب تَقْدِيمهمْ لَهُ، مَعَ أن منهم من هو أفضل منه.
وروى البخاري (٤٣٠٢) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه أن أباه أتى من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقومه: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: (صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) .
قال عمرو: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ.
فهذا دليل صريح على أن الأكثر حفظاً للقرآن هو المقدم في الإمامة.
المعنى الثاني الذي يشمله (الأقرأ) : الأحسن قراءة، وهو الذي تكون قراءتُه تامَّةً يقيم الحروف ويأتي بها على أكملِ وجهٍ ولا يسقط منها شيئاً.
"شرح بلوغ المرام" للعثيمين (٢/٢٦٧) . الشرح الممتع (٤ /٨٢) .
ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ ... وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ) . رواه الترمذي (٣٧٩٠) وصححه الألباني.
(وَأَقْرَؤُهُمْ) أَيْ: أَحسنهم قِرَاءَة.
وروى البخاري (٥٠٠٥) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرُ: (أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا) . أي: أحسننا قراءة.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (٨/ ٣٤٧) : "معنى أقرؤكم: أحسنكم تلاوة، وترتيلا للقرآن، ويراد به أيضا: أكثركم قرآنا" انتهى.
فإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أحسن قراءة من الآخر، فهو أولى، لأنه أقرأ، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) .
المغني (٣/١٤) .
ولو استويا في جودة القراءة قُدِّم أكثرهما قرآنا.
"الإنصاف" (٢ / ٢٤٤) .
وإذا اجتمع شخصان يحسنان قراءة القرآن الكريم، أحدهما أكثر قرآناً، والآخر أجود قراءةً، فمن يقدم؟
ظاهر السنة: أن الأكثر حفظاً للقرآن مقدم، قال ابن رجب: "وأكثر الأحاديث تدل على اعتبار كثرة القرآن" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب.
ويدل على ذلك حديث عمرو بن سلمة، وفيه: (وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) .
وحديث سالم مولى حذيفة، وفيه: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) .
والحكمة من تقديم الأقرأ في الإمامة: أنه "لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، إِذَا كَانَتْ الْقِرَاءَة مِنْ ضَرُورَة الصَّلَاة، وَكَانَتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانهَا صَارَتْ مُقَدَّمَة فِي التَّرْتِيب عَلَى الْأَشْيَاء الْخَارِجَة عَنْهَا" انتهى من عون المعبود.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب