هل يشرع الطواف أسبوعاً وأهداء ثوابه لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشرع الطواف بالبيت الحرام اسبوعا واهداء ثوابه لحي أوميّت؟. وما هي الأعمال التي يشرع إهداء ثوابها لشخص آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع إهداء ثواب الأعمال للأحياء، لكن بالنسبة للأموات يشرع بما جاء به النص، وسيكون فيما يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
١. أما إهداء ثواب الأعمال للأحياء: فإن الأصل في العبادات المنع والتحريم إلا بدليل من الشرع يجوز إنشاءها، وهذه كتب السنة والتراجم ليس فيها أن أحداً من سلف الأمة عمل عملاً ثم أهداه لأحدٍ من المسلمين لا لنبي ولا لصحابي.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - وقد سأله سائل عن إهداء ثواب قراءة القرآن وصلاة النوافل لأمِّه التي لا تقرأ ولا تكتب -:
ليس هناك دليل شرعي على شرعية إهداء الصلاة والقراءة عن الغير سواء كان حيّاً أو ميتاً.
والعبادة توقيفية لا يشرع منها إلا ما دلَّ الشرع على شرعيته.
ولكن يشرع لك الدعاء لها والصدقة عنها، والحج عنها والعمرة إذا كانت كبيرة في السن لا تستطيع الحج والعمرة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (٩ / ٣٢١) .
٢. وأما بالنسبة لإهداء ثواب الأعمال للأموات: فقد جاءت الشريعة بجواز بعض الأعمال، فيتوقف عندها ولا يصح قياس غيرها عليها، إذ الأصل في العبادات المنع إلا بدليل.
ومما جاءت الشريعة بجواز هبة ثوابه للأموات، أو انتفاع الأموات به من عمل الأحياء:
أ. الدعاء
قال تعالى {والذين جاءوا مِن بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر / ١٠] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النجاشيَّ صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه فقال: " استغفروا لأخيكم ".
رواه البخاري (١٢٣٦) ومسلم (٩٥١) .
وعن عثمان بن عفان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: " استغفروا لأخيكم وسلُوا له بالتثبيت؛ فإنه الآن يُسأل ". رواه أبو داود (٣٢٢١) .
والحديث: جوَّد إسناده النووي في " المجموع " (٥ / ٢٩٢) .
قال ابن القيم رحمه الله:
وقد دلَّ على انتفاع الميت بالدعاء: إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة.. وهذا كثير في الأحاديث بل هو المقصود بالصلاة على الميت، وكذلك الدعاء له بعد الدفن.. وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم. " الروح " (١١٨، ١١٩) .
ب. قضاء الصوم الواجب على الميت من نذر أو كفارة أو ما شابه ذلك
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه ". رواه البخاري (١٨٥١) ومسلم (١١٤٧) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: " أرأيتِ لو كان عليها ديْن أكنت تقضينه "؟ قالت: نعم، قال: فديْن الله أحق بالقضاء ". رواه البخاري (١٨١٧) ومسلم (١١٤٨) .
وفيه خلاف، حيث ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يصام عن الميت إلا صوم النذر، لكن الصواب العموم.
قال الحافظ ابن حجر:
وقد اختلف السلف في هذه المسألة:
فأجاز الصيام عن الميت: أصحاب الحديث وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في " المعرفة "، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية وقال البيهقي في " الخلافيات ": هذه المسألة ثابتة، لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث، ولا تقلدوني.
وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يصام عن الميت.
وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصام عنه إلا النذر، حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيَّد في حديث ابن عباس.
وليس بينهما تعارض حتى يُجمع بينهما؛ فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره " فدين الله أحق أن يقضى ". " فتح الباري " (٤ / ١٩٣، ١٩٤) .
وأما الحنفية: فاستدلوا بأحاديث ضعيفة في المنع من الصيام عن الميت، وقد ردَّ عليهم الحافظ ابن حجر في " الموضع السابق ".
وقد استدل بعضهم بحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جاري، أو علم نافع، أو ولد صالح يدعو له " وهو في " صحيح مسلم " (١٦٣١) ، وقد ردَّ الإمام ابن القيم على من استدل به فقال:
وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم " إذا مات العبد انقطع عمله ": فاستدلال ساقط فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل (انقطع انتفاعه) ، وإنما أخبر عن انقطاع عمله، وأما عمل غيره: فهو لعامله، فان وهبه له: وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو، فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء آخر، وكذلك الحديث الآخر وهو قوله " إن مما يلحق الميت من حسناته وعمله ": فلا ينفي أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته. " الروح " (ص ١٢٩) .
ت. قضاء الدَّيْن
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: هل عليه ديْن؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله صلِّ عليها، قال: هل عليه ديْن؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلَّى عليها، ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صلِّ عليها، قال: هل ترك شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه ديْن؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلُّوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ ديْنُه، فصلَّى عليه. رواه البخاري (٢١٦٩) .
ث. قضاء نذر الطاعة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة مِن جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: " نعم، حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمكِ ديْن أكنت قاضية؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء ". رواه البخاري (١٧٥٤) .
ج. الحج عنه
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن شبرمة؟ قال: قريب لي، قال: هل حججتَ قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسكَ، ثم حُجَّ عن شبرمة.
رواه أبو داود (١٨١١) وابن ماجه (٢٩٠٣) - واللفظ له -.
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (٤ / ١٧١) .
ح. ما يفعله أولاده من عملٍ صالح
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
ما يفعله الولد الصالح مِن الأعمال الصالحة؛ فإن لوالديه مثلَ أجره، دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد مِن سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم / ٣٩] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ". أخرجه أبو داود (٢ / ١٠٨) والنسائي (٢ / ٢١١) والترمذي (٢ / ٢٨٧) وحسَّنه.. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد (٢ / ١٧٩، ٢٠٤، ٢١٤) بسندٍ حسنٍ.
" أحكام الجنائز " (ص ٢١٦، ٢١٧) .
= وأما الصدقة وقراءة القرآن: فالصحيح أنه لا يصل شيء منه لعدم ورود الدليل، والأصل: المنع، وقد ذكر بعض العلماء الإجماع على وصل الصدقة عن الميت، لكن الصواب أن هناك اختلافاً بين العلماء في هذا.
أ. قال الإمام ابن كثير:
{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} أي: كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماءة ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنه ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء. " تفسير ابن كثير " (٤ / ٢٥٩) .
ب. قال الشوكاني:
وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصَّص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم / ٣٩] ، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة مِن الولد، وقد ثبت " أن ولد الإنسان من سعيه " فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما مِن غير الولد: فالظاهر مِن العمومات القرآنية: أنه لا يصل ثوابُه إلى الميت فيوقَف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها.
" نيل الأوطار " (٤ / ١٤٢) .
ج. وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرؤوا القرآن؛ يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل.
" الاختيارات العلمية " (ص ٥٤) .
ولشيخ الإسلام رحمه الله قول آخر خالف فيه ما ذكره هنا، وقد وافقه ابن القيم، وردَّ عليهما الشيخ محمد رشيد رضا في " تفسير المنار " (٨ / ٢٥٤ - ٢٧٠) .
ومن فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الثالث من الفتوى رقم (٢٢٣٢)
س٣: هل يصل ثواب قراءة القرآن وأنواع القربات إلى الميت؟ سواء من أولاده أو من غيرهم؟
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه، وبيَّنه لأمته لينفعوا به موتاهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولا نعلم أن أحداً منهم أهدى ثواب القرآن لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الأمور؛ لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد" وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة.
أما أنواع القربات الأخرى: فما دلَّ دليل صحيح على وصول ثوابه إلى الميت وجب قبوله، كالصدقة عنه والدعاء له، والحج عنه، وما لم يثبت فيه دليل: فهو غير مشروع حتى يقوم عليه الدليل.
وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة في أصح قولي العلماء، بل ذلك بدعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
قلت: وقد سبق الكلام على الصدقة، وأن الأحاديث الواردة لا تشمل عموم الناس، بل هي خاصة في أولاد المُتوفَّى.
وأما الطواف الوارد في السؤال: فلا يشرع التطوع به وإهداء ثوابه للميت لعدم ورود الدليل، فإن كان طوافَ عمرة أو حج: فهو داخل فيهما ويجوز.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أقوم أحياناً بالطواف لأحد أقاربي أو والديَّ أو أجدادي المتوفين، ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم ختم القرآن لهم، جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
الأفضل ترك ذلك، لعدم الدليل عليه،.. .. أما الصلاة عنهم والطواف عنهم والقراءة لهم: فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه.
وقد أجاز ذلك بعض أهل العلم قياساً على الصدقة والدعاء، والأحوط: ترك ذلك، وبالله التوفيق.
" فتاوى ابن باز " (٨ / ٣٤٤، ٣٤٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد