للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معنى قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت من يقول في تفسير قول الله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) قال: فما من أحد من العلماء المعتبرين قال إن المقصود هو الله تعالى، إنما (مَنْ في السماء) ملائكته في السماء، والموكل بالخسف هو سيدنا جبريل.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أدلة علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه تبلغ المئات، ولا يختلف أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان أن الله تعالى فوق كل شيء، مستوٍ على عرشه.

وقد دل على ذلك: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وللوقوف على شيء من ذلك انظر جواب السؤال رقم (٩٩٢) و (١٢٤٤٦٩) .

ثانياً:

أما ما جاء في السؤال من أن قول الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) : لم يقل أحد من العلماء المعتبرين إن المقصود هو الله تعالى، وإنما المقصود الملائكة، فهذا كلام باطل كذب، وبيان ذلك:

١. أن الإمام الطبري شيخ وإمام المفسرين (توفي ٣١٠ هـ) قد قال بأن المقصود بقوله تعالى (من في السماء) : إنه الله، وهذا يكفي لتكذيب النفي الوارد في السؤال.

قال الإمام الطبري رحمه الله:

"قول تعالى ذِكره: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون.

(أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم، وتجيئ، وتضطرب.

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وهو الله.

(أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) وهو التراب فيه الحصباء الصغار" انتهى.

"تفسير الطبري" (٢٣/٥١٣) .

وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:

"وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/١٦ فمعناه: مَن على السماء، يعني: على العرش" انتهى.

"التمهيد" (٧/١٣٠) .

فهذان قولان لمفسِّر فقيه، ومحدِّث فقيه، وبهما يتبين بجلاء بطلان ذلك الزعم بأنه لا أحد من العلماء المعتبرين يقول بأن معنى (من في السماء) إنه الله، ولو شئنا لسردنا عشرات النقولات عن الأئمة المعتبرين، سلفاً، وخلَفاً.

٢. جاءت آيات أخرى في القرآن الكريم، تؤيد ما ذكرنا في تفسير هذه الآية، وذلك أن الله تعالى قد خسف بأهل معصيته الأرض، أو يهددهم بأنه يخسف بهم الأرض، وهو يؤكد أن المقصود بـ "من في السماء" الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الآيات:

أ. قوله تعالى عن قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) القصص/٨١.

ب. قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) النحل/ ٤٥.

ج. وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) الإسراء/ ٦٧ – ٦٩.

د. وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أن المراد بـ (من في السماء) هو الله تعالى، ولا تحتمل غير هذا المعنى:

أ. قال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤) .

ب. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (١٩٢٤) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

وبتأمل هذه الآيات والأحاديث يتبين خطأ ما زعمه ذلك الزاعم الذي جاء كلامه في السؤال.

وكل هذا يفعلونه، ويتجرؤون عليه، من أجل نفي صفة العلو لله تعالى، والله المستعان.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>