حضور الصبي غير المميز إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أنه لا حرج على الصبي فوق السابعة أن يصطف كباقي المصلين في الجماعة..فما حكم من دون السابعة..هل يبطل الصلاة؟ كذا إن مر أمام المصلين في غير الجماعة هل يبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه.
والتمييز لا يختص بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مَجَّة مجّها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (١٣/٣٧) .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟ فقال: "إن كان لا يعبث لصغره، ويُكَفُ إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة (١/١٩٥) .
فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره، إلا عند الاضطرار أو الحاجة، كأن تتغيب أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده، ونحو ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟
فأجاب: "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.
أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة، ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (١٢٥/٨) .
ثانيا:
قد يحتاج الأب أن يجعل ابنه الصغير غير المميز بجانبه في الصف، حتى لا يخرج من المسجد، أو يعبث بشيء في المسجد فيتلفه أو يضر نفسه، أو يشغل المصلين.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات؟
وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطعا للصف؟ وإذا كان قاطعا للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد؟ أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟
فأجاب:
"تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى: مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح؛ لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته، وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصليا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام.
أما المسألة الثانية: فهو قطع الصف، فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف؛ لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف، لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلين، فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله، وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره.
نعم، إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها، فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثالثا:
مرور الصبي غير المميز بين يدي المصلي في المسجد أو غيره لا يقطع الصلاة، وإنما يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) رواه مسلم (٥١١) . وفي رواية: (والكلب الأسود) قال الراوي: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) .
وينظر جواب السؤال رقم (٢٥٨٠٣) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب