حكم تمكين المبتدعة والزنادقة من منابر الإعلام، وحكم الاختلاط في العمل الدعوي
[السُّؤَالُ]
ـ[في جامعتي، منظمة " الجمعية الإسلامية " توفر دائما منصة للمتكلمين الجريئين، ممن هم صوفية التصور، أو الحداثيين، أعلمت الأمير أن يتجنب إحضار المحاضرين، وإقامة أنشطة مضادة لطريق السلف، ولكن الجمعية الإسلامية تصر. ١. هل يجوز لي مقاطعة أعضاء " الجمعية الإسلامية " في الجامعة؛ لترويجهم لأهل البدعة. ٢. " الجمعية الإسلامية " أيضا تسمح للنساء الدخول في الشورى، فهل هذا جائز؟ . ٣. مجلس شورى " الجمعية الإسلامية " له لقاءات فيها يجلس الرجال والنساء في غرفة واحدة، على جانبيها، ولكن ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا عزز الاختلاط بين الجنسين، حيث أن الأخوات بالحجاب يتكلمن مع الرجال المسلمين وجهاً لوجه، بدون غض للبصر، فهل هذا جائز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعوة إلى الله شرف للمسلم الداعية، فهو عمل الرسل الذين بعثهم الله لإصلاح أقوامهم برسالة من عنده سبحانه، ورسول هذه الأمة مبعوث للناس كافة، ومهمة الداعية إلى الله أن يبلغ دين الله تعالى لمن يستطيع من الناس، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت الدعوة على وجوبها لكل قادر عليها.
ولا يحل للداعية أن يلوث نفسه بمعاصٍ أو منكرات، فهو طريق شريف يجب تنزيهه عما التصق به مما ليس منه من مخالفات شرعية فعلها أو أحدثها بعض الذين يزعمون أنهم يقومون بالدعوة إلى الله.
أ٠ ومن هذه المخالفات المنكرة: إشهار المبتدعة والزنادقة على أنهم أهل فكر إسلامي! ، وعلى أنهم دعاة ومصلحون! وهذه ما تفعله بعض القنوات المحسوبة على الإسلام حيث تلمع تلك الأصناف الفاسدة، وتسوِّق لهم مادحة لهم، ومثنية عليهم، ويتكلم أحدهم فيما يرى، ويعتقد، ولو كان زندقة أو ضلالاً، وهذا لا شك أنه محرَّم، ولا يحل بحال أن يسوِّق أولئك بضاعتهم الكاسدة عن طريق أهل الخير والصلاح، بل يجب الأخذ على أيديهم، والتحذير منهم، وهجرهم، لا تلميعهم، والثناء عليهم وتمكينهم من بث سمومهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وكل من أظهر هذه الإشارات البدعية، التي هي فُشارت [أي: هذيان، لا حقيقة له] ... ، فهم أهل باطل وضلال، وكذب ومِحال [المِحال: المكر وطلب الأمور بالحيل] ، مستحقون التعزير البليغ والنكال، وهم إما صاحب حال شيطاني، وإما صاحب حال بهتاني؛ فهؤلاء جمهورهم، وأولئك خواصهم.
وهؤلاء يجب عليهم أن يتوبوا من هذه البدع والمنكرات، ويلزموا طريق الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس لهم أن يكونوا قدوة للمسلمين، وليس لأحد أن يقتدي بهم.
ومن كثر جمعهم الباطل، وحضر سماعاتهم التي يفعلونها في المساجد وغيرها، أو حسن حالهم، أو قرر مِحالهم من أئمة المساجد: فإنه مستحق التعزير البليغ الذي يستحقه أمثاله. وأقل تعزيره: أن يعزل مثل هذا عن إمامة المسلمين؛ فإن هذا معين لأئمة الضلالة، أو هو منهم، فلا يصلح أن يكون إماما لأهل الهدى والفلاح. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /٢، وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران /١٠٤"
"جامع المسائل" (٣/١٥٣-١٥٤) ط عالم الفوائد.
ويدل على ذلك الأصل الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/ ٦٨.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
" المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه، وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلاً، وأمته تبعاً، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر: بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلامٍ غيره: زال النهي المذكور.
فإن كان مصلحة: كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك: كان غير مفيد، ولا مأمور به، وفي ذم الخوض بالباطل: حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق.
ثم قال: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: بأن جلست معهم على وجه النسيان والغفلة:
(فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته.
هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر، والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخففه، فهذا ليس عليه حرج، ولا إثم، ولهذا قال: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأنعام/ ٦٩.
" تفسير السعدي " (٢٦٠، ٢٦١) .
وقد بعث الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة للأستاذ محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة " الأزهر " ينكر عليه نشر مقال في الإيمان فيه مخالفة لاعتقاد السلف، ثم ختم رسالته له بقوله:
وأرجو أن تلاحظوا ما ينشر في المجلة من المقالات التي يخشى من نشرها هدم الإسلام؛ فتريح الناس من شرها والرد عليها لأمرين:
أحدهما: أن نشر الباطل من غير تعليق عليه: نوعٌ من ترويجه، والدعوة إليه.
والثاني: أنه قد يَسمع الباطل مَن لا يسمع الرد عليه فيَغتَرُّ به، ويتَّبع قائله، وربما سمعها جميعاً فعشق الباطل وتمكَّن من قلبه، ولم يقوَ الردُّ على إزالة ذلك من قلبه؛ فيبقى الناشر للباطل شريكاً لقائله في إثم مَن ضل به." جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز " (ص ٤٦٧) إعداد الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.
ب. إذا كان التمكين لأهل البدع لنشر سمومهم وبدعهم منكرا، أو حتى لنشر كلام مستقيم، في وسط من لا يميز بين حق وباطلهم، فيتبعهم على بدعهم وباطلهم، لما رأى من حقهم، أو لما مكنوا من هذه المنابر لدعوة الناس والاتصال بهم، إذا كان ذلك كله منكرا؛ فلا ندري ما نقول فيمن يمكن للحداثيين والعلمانيين والملاحدة منابر الإعلام والاتصال بالناس والتأثير فيهم؛ نعم لو كان المنبر منبرهم، والمكان مكانهم، وزاحمناهم نحن عليه، فهذا أمر طيب ومطلوب، شريطةَ أن نعلن للناس صراحة، ومن غير مواربة ولا خجل، براءتنا من إلحادهم وعلمانيتهم، وقوميتهم..، وما هم عليه من الضلالات والمخالفات لشرع رب العالمين.
أما أن يكون المنبر لأهل الحق والدين، أو التمكين في المكان لهم، ثم هم يتعاونون مع هؤلاء، أو يمكنون لهم، فعلي أي شيء يتعاون الكفر والإيمان، وأهل الحق وأهل الباطل؟!
ج٠ ومن هذه المنكرات: الاختلاط المحرَّم الذي يحصل في بعض المؤسسات الدعوية، أو في بعض القنوات المحسوبة على الإسلام، حيث يجتمع الذكور والإناث كلُّ في كامل زينته! ليبدأ الحديث بعدها عن الإسلام، وأحكامه، وأخلاقه! ينظر بعضهم إلى بعض أمام الملايين، وهو الشيء نفسه الذي يُفعل عند بعض الجماعات الإسلامية، أو المؤسسات الدعوية، حيث يجتمع الدعاة من الذكور والإناث للمناقشة حول أسلوب الدعوة، وطرقها الناجحة، وخطط الدعوة المستقبلية، والعجب أن يكون هذا أيضا في الجامعات المختلطة، ومن شباب في سنِّ المراهقة الشديدة، وفي سن بلوغ الشهوة أوجها، وخاصة مع المناظر المؤذية من النساء المتبرجات في جامعاتهم ومؤسساتهم التعليمية.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة , وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال؛ لكونه يفضي إلى الطمع فيهن، كما في قوله عز وجل: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب/ ٣٢، يعني: مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟! .
ومن البدهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال: لا بد أن تكلمهم، وأن يكلموها , ولا بد أن ترقق لهم الكلام، وأن يرققوا لها الكلام , والشيطان من وراء ذلك يزيِّن، ويحسِّن، ويدعو إلى الفاحشة، حتى يقعوا فريسة له , والله حكيم عليم، حيث أمر المرأة بالحجاب , وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البرُّ والفاجر، والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع - بإذن الله - من الفتنة، ويحجز دواعيها , وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء , والبعد عن مظان التهمة، قال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ ٥٣.
وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس: هو بيتها، وحرَّم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب ; لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر , وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة، مع لزوم الأدب الشرعي , وقد سمَّى الله مكث المرأة في بيتها: قراراً , وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها، وراحة لقلبها، وانشراح لصدرها، فخروجها عن هذا القرار: يفضي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (١ / ٤٢٢، ٤٢٣) .
وعليه: فالواجب الإنكار على أعضاء تلك الجمعية، وتذكيرهم بحكم الشرع في تمكين المبتدعة والزنادقة من منابرهم لتسويق أنفسهم، أو تسويق معتقداهم وأفكارهم، وإنكار الاختلاط الحاصل في اجتماعات تلك الجمعية، ونقل كلام أهل العلم في التحذير منه، ومن عواقبه الناتجة عنه، وتكون بذلك قد أبرأت ذمتك، فإن استجابوا فكن معهم، وأيدهم، وإن خالفوا ذلك ولم يقبلوه: فاترك الانتساب إليهم، ولا تعنهم على منكرٍ يفعلوه، مع تنبيهك على التزام الصحبة الصالحة، والدعوة إلى الله، والازدياد من الإيمان بفعل الطاعات، وترك المنكرات.
وانظر جواب الأسئلة: (٨٨٢٧) و (٢٢٣٩٧) و (٦٦٦٦) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب