حكم الأكل من ثمار الأشجار المغروسة في المسجد أو حديقته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قطف الثمار من حديقة المسجد مقابل وضع مبلغ من المال في خزينة المسجد مقابل ذلك؟ وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جمهور الفقهاء على كراهة غرس الأشجار في المسجد، ومنهم من ذهب إلى التحريم، ومنهم من قيد التحريم بما إذا ضيق على المصلين.
وعلة الكراهة أن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ; ولأن الشجرة تؤذي المسجد , وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطيور فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها.
ومنهم من جعل علة الكراهة الشبه بِبِيَع اليهود.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة. نص عليه أحمد , وقال: إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا , فهذه غرست بغير حق , فلا أحب الأكل منها , ولو قلعها الإمام لجاز ; وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القران , ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها , ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها) " انتهى من المغني (٥/٣٧٠) .
وفي الفتاوى الهندية (١/١١٠) : " ويكره غرس الشجر في المسجد ; لأنه تشبه بالبيعة وتشغل مكان الصلاة، إلا أن يكون فيه منفعة للمسجد بأن كانت الأرض نزة لا تستقر أساطينها فيغرس فيه الشجر ليقل النز. كذا في فتاوى قاضي خان " انتهى.
وقال ابن الهمام رحمه الله: " ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نزٍّ والأسطوانات لا تستقر به، فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع " انتهى من "فتح القدير" (١/٤٢١) .
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله: " (و) يكره (حفر بئر وغرس شجر فيه) بل إن حصل بذلك ضرر حرم (فيزيله الإمام) لئلا يضيق على المصلين هذا , وقد قال الأذرعي في غرس الشجرة في المسجد الصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة , والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور , ونقل عن جماعة قطع العراقيين بمنع الزرع , والغرس فيه " انتهى من "أسنى المطالب" (١/١٨٦) .
وفي شرح الخرشي على خليل (٧/٤٨) : " فائدة: صرح جماعة بمنع الغرس والزرع في المسجد وقالوا لا يجوز الحفر فيه ولا الدفن فيه قالوا: ولعل من يذكر الكراهة أراد كراهة التحريم " انتهى.
فتبين بهذا أن الفقهاء بين قائل بالتحريم وقائل بالكراهة، وهذا فيما إذا غرس في المسجد بعد بنائه، وأما إن كانت الأرض بها شيء من الشجر، وبني المسجد عليها فلا حرج.
قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن كانت النخلة في أرض , فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس " انتهى.
والذي يظهر أنه لا حرج أيضا فيما إذا كانت الأشجار في حديقة متصلة بالمسجد، بحيث لا تضيق على المصلين، ولا يتأذى المسجد بورقها.
ثانيا:
أما الأكل من ثمار هذه الأشجار ففيه تفصيل:
١- إن كان الواقف قد وقف الشجر مع المسجد، وحدد مصرف الوقف، بأن جعله للمساكين، أو للأئمة أو الطلبة أو للمسجد، مثلا، عُمل بتحديده. وما وقف للمسجد، يباع ويصرف في مصالحه.
٢- وإن لم يكن حدد الجهة التي يصرف فيها الوقف، ففي ذلك خلاف، فقيل حكمه حكم الوقف منقطع الجهة، فيكون لورثة الواقف، موقوفا عليهم، وقيل يجوز لمساكين المسجد، وقيل يصرف في مصلحة المسجد.
٣- ما غرس في المسجد، ولم يوقف معه، وحكمنا بكراهته أو تحريمه: إن كان غرس للمسجد، فلا يؤخذ منه إلا بعوض يصرف في مصالح المسجد، وإن غرس مسبّلا، أو لم يعلم قصد غارسه، جاز الأكل منه بلا عوض، والأولى عدم الأكل منه، ومن أكل ودفع العوض ليصرف في عمارة المسجد، فلا حرج عليه.
وهذا بعض ما قاله الفقهاء في هذه المسألة:
قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن قال صاحبها: هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها , ويصرف إليه ".
وقال السفاريني رحمه الله: " مطلب: حكم أكل تمر شجر المسجد: وفي الفروع والإنصاف والإقناع والمنتهى والغاية وغيرها: فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد. قال في الإنصاف: قال الحارثي: وهو المذهب. قال: والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا. وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا أحب الأكل منها.
وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه , فإن عين مصرفها عمل به , وإلا فكمنقطع، يعني تصرف على ورثة الواقف نسباً، غنيهم وفقيرهم، وقفاً عليهم على قدر إرثهم، فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بينهم. فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفا عليهم. وقال الموفق: يجوز الأكل منها , وهو منصوص الإمام رضي الله عنه في رواية أبي طالب. وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى. وقال جماعة من الأصحاب: تصرف في مصالحه , وإن استغنى عنه فلجاره أكل ثمره. نص عليه وجزم به في الفائق , والمذهب الأول أنها إذا لم يعين مصرفها كالوقف المنقطع. جزم به في الإقناع والمنتهى والغاية. " (٢/٣١٧) .
وفي حاشية البجيرمي (٣/١٠٣) : " ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة. قلت: وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين , ولم يقصد بها نفسه، وإلا حرم , فإن غرس قُلع. والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد، سواء حرم غرسه أو كره؛ لأن له إزالة المكروه. نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك المسجد ; قاله القاضي , وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع. والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع.
وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه. وإن كان مسبّلا للأكل، أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض , ومثلها ثمرة ما في المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد , ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها) انتهى.
وقال ابن قدامة: " قال أبو الخطاب: عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة , بيعت , وصرف ثمنها في عمارته. قال: وقول أحمد يأكلها الجيران. محمول على أنهم يعمرونه " انتهى.
وعليه فإن كانت الحديقة المسئول عنها، قد وُقفت ثمارها على جهة معينة، فلا يجوز الأكل منها إلا لأهل تلك الجهة.
وإن كانت مسبّلة، جاز الأكل منها بلا عوض.
وإن كانت موقوفة أو مغروسة لصالح المسجد، فإنها تباع وتصرف في مصالحه، ومن أخذ منها بمقابل يضعه في خزينة المسجد، فقد أصاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب