للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سداد القرض بعملة أخرى.. الصور الجائزة والممنوعة

[السُّؤَالُ]

ـ[اقترضت مبلغا من صديق لي بالدولار، ورددت له المبلغ بالريال السعودي على دفعات بنفس قيمة المبلغ في ذلك الوقت فما حكم ذلك؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الأصل أن يسدد القرض بنفس العملة التي أخذها المقترض، إلا أن يصطلح الطرفان وقت السداد على أخذه بعملة أخرى، فلا حرج في ذلك، بشرط أن يتم ذلك بسعر يوم السداد، لا بالسعر الذي كان يوم القرض. وهكذا في كل دفعة، يجوز أن يتفق الطرفان عند وقت سدادها على الدفع بعملة أخرى، بسعر اليوم.

وينبغي أن تعلم أن الصور المحرمة في هذه المعاملة ثلاث:

الصورة الأولى:

أن يتفق الطرفان عند عقد القرض على السداد بعملة أخرى، فهذا محرم؛ لأن حقيقة المعاملة حينئذ: بيع عملة حاضرة بعملة أخرى مؤجلة، وهذا من ربا النسيئة؛ لأن من شرط بيع العملات المختلفة، بعضها ببعض أن يكون ذلك يدا بيد، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد ... ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم (١٥٧٨) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لهما من الأحكام.

الصورة الثانية:

ألا يتفقا على ذلك عند ابتداء العقد، لكن يتفقان وقت السداد على عملة أخرى، ويقدّران ذلك بسعر يوم القرض. وهذا محرم أيضا، وهو في معنى الصورة السابقة، واستدل الفقهاء على التحريم بالحديث المشهور الذي رواه أحمد (٦٢٣٩) وأبو داود (٣٣٥٤) والنسائي (٤٥٨٢) والترمذي (١٢٤٢) وابن ماجه (٢٢٦٢) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلا] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ) والحديث صححه بعض العلماء كالنووي، وأحمد شاكر، وصححه آخرون من قول ابن عمر، لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم الحافظ ابن حجر والألباني. وانظر: "إرواء الغليل" (٥/١٧٣) .

وهناك علة أخرى للتحريم، وهي أنك إذا أخذت أكثر من سعر يوم السداد، فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن. رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح.

الصورة الثالثة:

أن يصطلحا وقت السداد على السداد بعملة أخرى، لكن يفترقا وبينهما شيء، ومثاله أن يكون القرض ألف دولار، فيصطلحا عند حلول الأجل على السداد بالجنيهات، على ٥٠٠٠ مثلا، فيأخذ منه ٤٠٠٠ ويبقى في ذمة المقترض ١٠٠٠، فلا يجوز ذلك؛ لأنه يشترط في بيع العملات بعضها ببعض أن يكون ذلك يداً بيد، كما تقدم.

قال الخطابي رحمه الله في شرح حديث ابن عمر السابق: " وَاشْتُرِطَ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا وَبَيْنهمَا شَيْء لِأَنَّ اِقْتِضَاء الدَّرَاهِم مِنْ الدَّنَانِير صَرْف (بيع عملة بأخرى) وَعَقْد الصَّرْف لَا يَصِحّ إِلَّا بِالتَّقَابُضِ " انتهى نقلا عن "عون المعبود".

لكن إن كان القرض يسدد على دفعات، فلا حرج أن يتفقا عند سداد كل دفعة على أخذها بسعر يوم السداد، فهذا لا محذور فيه، لسلامته من التأخير في عملية الصرف.

وإليك بعض ما قاله أهل العلم في هذه المسألة:

سئل علماء اللجنة الدائمة للافتاء: " تسلفت دراهم من إنسان (عملة فرنسية) على أن أرجعها له في فرنسا ولكن لما جاء إلى الجزائر طلب مني أن أعطيه دراهم جزائرية بالزيادة. ما الحكم في ذلك؟

فأجابوا: يجوز أن تسددها له في الجزائر بمثلها عملة فرنسية أو بقدر صرفها يوم السداد من العملة الجزائرية، مع القبض قبل التفرق " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٤/١٤٣) .

وسئلوا أيضا (١٤/١٤٤) : " ما حكم الاقتراض بعملة ثم سداد الدين بعد عدة شهور بعملة أخرى، وقد يكون هناك اختلاف في سعر العملة خلال مدة الدين؟

فأجابوا: إذا اقترض شخص عملة دون أن يشرط عليه فائدة، أو رَدَّ عملة أخرى بقيمتها وقت السداد دون أن يشرط عليه ما فيه جر نفع للمقرض جاز ذلك؛ لما فيه من التعاون بين المسلمين وقضاء حوائجهم. أما إن اشترط عليه فائدة لهذا القرض، أو رد بديله بعملة (ما) أو تقديم أي نفع للمقرض - حرم ذلك؛ لكونه من الربا المحرم بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم" انتهى.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره ٢٥٠٠جنيه مصري وقد أرسلت له مبلغ ٢٠٠٠دولار باعهم وحصل على مبلغ ٢٤٩٠جنيها مصريا، ويرغب حاليا في سداد الدين، علما بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال: هل أحصل منه على مبلغ ٢٤٩٠ جنيهاً مصرياً وهو يساوي حاليا١٨٠٠دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ ٢٠٠٠ دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي ٢٨٠٠جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من ٣٠٠جنيه مصري) ؟

فأجاب: " الواجب أن يرد عليك ما أقرضته دولارات لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له. ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت ٢٠٠٠دولار تساوي الآن ٢٨٠٠جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ ٢٨٠٠جنيه، ويجوز أن تأخذ منه ٢٠٠٠دولار فقط يعنى أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (٢/٤١٤) .

وانظر السؤال رقم (٢٣٣٨٨) ورقم (١٢٥٤١) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>