للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شبهات من نصراني حائر

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت في الصحيفة أن ١٥% من القرآن يتحدث عن المسيح؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن. إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" ٩:٦ و"جان" ١:١, و٣:١٦, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد؟

إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت (؟) " و"الشيعة" على التوالي؟

لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." ٢:٢٤ و"مات." ١٩:٥؟

إن روحي تبحث عن الحقيقة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها:

١. أنه نبيٌّ من أنبيائه، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} البقرة/١٣٦.

٢. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام: كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك.

٣. وهو أصل الأصول، وعليه قوام الدين والدنيا، وبه تكون النجاة من النار، والدخول إلى الجنان، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود: هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال: إنه الله! ومنهم من قال: إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله! ومنهم من قال: هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث! وآخرون قالوا: بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه: (إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران/٥٩ فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه.

فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب: فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها.

والخلاصة: أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام.

ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة؟ ! .

ثانياً:

أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق؟

والجواب على هذا السؤال: أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى: {ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم/٣١-٣٢، وقال الله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} آل عمران/١٠٥، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} آل عمران/١٠٣، وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير} الحجرات/١١ أي: لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالمراد: بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً:

أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد: فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام.

وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً} ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين (١٥ – ٣٥) .

وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين:

الأول: أنه من شرع الله، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها.

والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام.

والله الهادي

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>