تسريح الشعر للمرأة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[سأذهب للحج هذه السنة إن شاء الله.. الكثير قالوا لي: إن تسريح الشعر لا يجوز في الإحرام، مع العلم أنه من الصعب علي ترك شعري دون تسريح.. وقد قمت بالبحث عن إجابة لسؤالي، ولم أجد إلا فتوى تخص المحرم الرجل، وهي أنه لا ينبغي ذلك. فما حكم تسريح الشعر للمرأة المحرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إزالة شعر الرأس من محظورات الإحرام، بأي وسيلة كانت تلك الإزالة، بالحلق أو التقصير أو النتف أو الحك ونحوه، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/١٩٦.
وقد اتفق أهل العلم على هذا الحكم، كما اتفقوا على أن تسريح الشعر وتمشيطه مُحرَّم إذا جزم بتساقط بعض الشعر بسبب امتشاطه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (١١/١٧٩) :
" إذا تيقَّنَ المُحرِم سقوط الشعر بالترجيل: فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ " انتهى.
فإن كان شعره لا يتساقط بالتسريح: فقد اختلف أهل العلم في على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز والإباحة: وهو مذهب ابن حزم الظاهري، حيث يقول في "المحلى" (٥/١٨٦) : " أما نقض الرأس والامتشاط فلا يكره ذلك في الإحرام، بل هو مباح مطلق " انتهى.
واستدل بعض العلماء لهذا القول بالحديث الذي يرويه البخاري (٣١٦) ومسلم (١٢١١) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْىَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَمْسِكِى عَنْ عُمْرَتِكِ.
قالوا: فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بالامتشاط مع أنها محرمة، وإنما أمرها بالاغتسال لإحرام الحج، فقد كان إحرامها في أصله للعمرة.
يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (٥/٩٤) :
" قوله: (وامتشطي) فيه دليل على أنه لا يكره الامتشاط للمحرم , وقيل: إنه مكروه.
قال النووي: وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة، بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى. وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الغسل للإحرام بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه " انتهى.
القول الثاني: التحريم: وهو قول بعض الحنفية، مستدلين بحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنِ الحَاجُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ. رواه الترمذي (٢٩٩٨) .
قالوا: والمراد بالشعث انتشار شعر الحاج، فلا يجمعه بالتسريح والدهن والتغطية ونحوه.
انظر: "الاختيار لتعليل المختار" (١/١٤٣) ، "الموسوعة الفقهية" (١١/١٧٩) .
إلا أن الحديث ضعيف، قال عنه الألباني في ضعيف سنن الترمذي: ضعيف جدا.
القول الثالث: الكراهة: لما فيه من تعرُّضٍ لمحظور من محظورات الإحرام، وهو قول الشافعية والحنابلة.
قال النووي في "المجموع" (٧/٣٧٤) : " ويكره مشط رأسه ولحيته , لأنه أقرب إلى نتف الشعر " انتهى.
وقال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (٢/٤٢٤) :
"للمحرم غسل رأسه وبدنه فعل ذلك عمر وابنه وأرخص فيه علي وجابر بلا تسريح، لأن تسريحه تعريض لقطعه " انتهى بتصرف.
ونحوه في "الإنصاف" (٣/٤٦٠) .
وهذا القول الأخير بالكراهة هو أعدل الأقوال وأوسطها، إذ ينبغي أن يكون المسلم حريصا على عبادته، فلا يتعرض لما قد يخرمها ولو من وجه بعيد.
قال الشيخ ابن عثيمين – كما في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الحج والجهاد/ باب محظورات الإحرام) :
" تمشيط المحرم رأسه لا ينبغي؛ لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر " انتهى باختصار.
ثانيا:
إذا امتشطت المرأة أو الرجل ورأى في مشطه شعرات لا يدري هل قطعت بسبب المشط أو كانت ساقطة أصلا، فلا تلزمه الفدية في هذه الحالة، لاحتمال أن تكون مقطوعة من الأصل، ولا يجب على العبد الفدية بمجرد الشك والاحتمال.
وقد نص على ذلك النووي رحمه الله في "المجموع" (٧/٢٦٢) ، ونحوه في "كشاف القناع" (٢/٤٢٣) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب