والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري ١٦ سنة والمسجد قريب جدّاً من بيتنا، ولكن أبي لا يسمح لي أن أصلي الفجر فيه، ويسمح بباقي الصلوات قائلاً إنه يخاف عليَّ أن يحدث لي شيء، لأن بيننا وبين المسجد تقاطعاً، أي: شارعين متداخلين، مع أني كلمته كثيراً وحاولت إقناعه بالآيات والأحاديث، ولكن لا فائدة، فهل أذهب للصلاة من دون علمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على الفرائض وصلاة الجماعة، ونسأل الله لك الثبات على الدين والاستقامة، وألا تكون مثل هذه التصرفات من والدك مثبطة لك عن الاستقامة وعمل الخير والهداية، وقبل الجواب على سؤالك فينبغي أن تتذكر أمراً هاماً جداً، وهو:
أن بر الوالدين وطاعتهما فريضة قد وصى الله بها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/٣٦، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/٢٣، ٢٤.
واعلم أن طاعة الوالدين ملزمة لك إلا أن يأمرا بمعصية الله تعالى، فحينها لا طاعة لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (٦٨٣٠) ومسلم (١٨٤٠) .
أما عن صلاة الجماعة فهي واجبة، لا يجوز للأب أن يمنع ولده المكلف منها، بل الواجب على الآباء أن يأمروا أبناءهم بها ويرغبوهم فيها ويحثوهم عليها، وإذا أحس الوالد من ولده تقصيراً في هذا الواجب فعليه أن يستشعر المسئولية التي حُمِّلَها، والرعية التي سوف يُسأل عنها أمام الله تعالى يوم الحساب، فيأمر وينهى ويذكر رعيته بما يجب عليهم تجاه ربهم من الواجبات وخطر التهاون فيها.
فإن قصر الوالد في حق أولاده بأن تركهم دون أمر ونهي وترغيب في الخير وترهيب من الشر، فهذا لا يعفيهم من الإثم إن قصروا في الواجبات أو فعلوا المحرمات.
فإن تعدى الأمر عند الوالد بأن ينهى أبناءه عن الواجب الذي أمرهم الله به فعندئذ لا طاعة له في معصية الله أو في ترك ما أوجب الله، فإذا أمر الأب ولده بترك صلاة الجماعة كل أوقاتها أو بعضها فقد أمر بمعصية، فحينئذ لا طاعة له، مع صحبته بالمعروف والإحسان إليه.
أما عن سؤالك هل تخرج سرّاً لصلاة الفجر: فهذا طيب بالنسبة لك، لكنه يسيء إلى والدك من حيث لا تشعر، فوالدك متلبس بمعصية ما دام يمنعك من صلاة الجماعة، حتى لو خرجت سرّاً فالإثم لا يرتفع عنه، لأنه ما يزال آمراً بالمنكر، ناهياً عن المعروف، حتى لو خرجت للصلاة دون علمه، فعليك أن تحاول إقناعه أولاً بالحكم الشرعي ولو عن طريق غيرك إن كان لا يسمع منك أو يعتبرك صغيراً، فإن لم يستجب، فلا حرج عليك أن تخرج بلا إذن منه وبغير علمه، مع أخذ الحيطة والحذر في طريقك للمسجد.
ثانياً:
ونقول لوالدك – هداه الله – إن الله تعالى حمَّلك مسئولية عظيمة، وهي تعليم ونصح أهلك من زوجة وأولاد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) .
وقد أمرك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك ناره عز وجل فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/٦، وقول تعالى – ناصّاً على الأمر بالصلاة -: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/١٣٢.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً " انتهى.
" تحفة الودود " (ص ٢٢٩) .
ونحن نسألك سؤالاً مهمّاً: أين أنت عن صلاة الفجر؟! أليس من الواجب عليك أداؤها جماعة؟! أليس من الواجب عليك أن تكون قدوة لأهلك وأولادك فتصلي في بيت الله تعالى جماعة؟! إنك إن فعلت هذا أدَّيت ما أوجبه الله عليك، وأعنتَ ولدك على صلاته في المسجد، واطمأننتَ عليه إن كنتَ خائفاً من ذهابه وحده.
واعلم أيها الوالد الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله تعالى، فكيف تخاف على من كان في ذمته عز وجل؟!
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) رواه مسلم (٦٥٧) .
والذمة هنا الضمان، وقيل: الأمان، كما قال النووي رحمه الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لأداء الأمانة، وأن تكون قدوة صالحة لأهلك، وأن تعين ولدك على أداء الصلوات في بيت الله عز وجل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب