للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مترددة في لبس غطاء الوجه وتحتاج من يشجعها على فعل ذلك

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا أرسل إليك بخصوص الحجاب، ومصارعتي مع الشيطان من أجل أن أرتديه، أنا منذ سنتين أريد أن أرتدي الحجاب، ولكنني لم أستطع اتخاذ هذه الخطوة، وأنا والحمد لله من عائلة ملتزمة، ولكن المشكلة أن لبس الخمار عندنا ليس منتشراً كما عندكم، وليس الجميع يتقبل هذا الشيء، فلا بد من معين لذلك بعد الله. والمشكلة الثانية - وربما أنها ليست مشكلة في نظرك، ولكن أريد أن أتخلص من هذه الوساوس - والمشكلة أني قصيرة القامة، وأنا - والله شهيد على ما أقول - أريد أن أعمل ما يرضي الله، وأرتاح من هذا الصراع المؤلم الذي لا يشعر أحد به إلا الله، فأريد أن تكون معيني بعد الله، وترشدني على طريق الهداية، وهل لي أن أنال رضا الله من دون ارتداء الحجاب؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

مما يميز المسلم المستقيم على طاعة الله أنه لا يتردد في تنفيذ أوامر ربه تعالى، ولا يتلكأ، بل يبادر إليه، ويُري ربَّه أنه قد حقَّق الإيمان الذي أمره به، وأنه يتشرف بكونه من المستسلمين لأمره عز وجلَّ ودينه، ولو خالف ذلك عاداتٍ اعتادها، أو هوى في نفسه يحثه على مخالفة أمر ربه، وقد ضرب الصحابة في ذلك أروع الأمثلة، ومن ذلك:

١. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا، فَهَرَقْتُهَا. رواه البخاري (٢٣٣٢) ومسلم (١٩٨٠) .

ولم تكن المسارعة في الاستجابة لأمر الله تعالى خاصة بالرجال من الصحابة وحدهم، بل قد شاركهم النساء في ذلك، ومن أمثلته مما له تعلق بالسؤال:

٢. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رواه البخاري (٤٤٨٠) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

قوله " مروطهن ": جمع مرط، وهو الإزار.

" فاختمرن " أي: غطين وجوههن.

" فتح الباري " (٨ / ٤٩٠) .

واعلمي أيتها الأخت السائلة أن الاستجابة لأوامر الله تعالى لا اختيار للمسلم فيها، فعليه أن يمتثل أمر الله تعالى، مهما كان الأمر مخالفاً لهواه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/ ٣٦.

ثانياً:

اعلمي أيتها الأخت السائلة أن للشيطان طرقاً كثيرة في صد العبد عن دين الله تعالى، وعن الالتزام بأحكامه، وشرائعه، فعليك التفطن لهذه الطرق، وقطعها عليه، فقولك: إن الخمار ليس منتشراً عندكم، وليس الجميع يتقبله: ليس عذراً مقبولاً، ويمكنك قطع تلك الطرق على الشيطان بأن تبادري لأن تكوني سبباً لانتشار غطاء الوجه، ولتحوزي شرف المبادرة، ولتحصلي أجور من يأتي بعدك ويفعل فعلك، فبدلاً من أن يكون ما ذكرتِ عائقاً أمامك عن تنفيذ أمر الله تعالى، فليكن سبباً لتنفيذه، والمبادرة بفعله.

واعلمي أنه قد يوجد في بيئتك ممن حولك من أخواتك من ينتظر مثل هذا الأمر من مثلك، لتبادر هي الأخرى بفعل الأمر نفسه، وقد يكون هناك ثالثة، ورابعة، وأكثر، فلتكن منك البداية، وبفعلك يكون التشجيع لغيرك على إظهار ذلك الستر المأمور به.

ثم أيتها الأخت السائلة: لماذا تجهر النساء حولك بلبس القصير والضيق والشفاف وغيرها من الألبسة المحرمة، ولا تجد حرجاً من ذلك، مع كونه محرَّماً؟ ولماذا تجرؤ النساء العاصيات على المجاهرة بمعاصيهن.

فإذا كان هؤلاء لا يستحين وهم يعصين الله، فكيف نستحي نحن أو نضعف ونحن نطيع الله، وننشر الفضيلة والعفاف والطهر في المجتمع.

فبادري بتنفيذ أمر الله، واحرصي على الخير لنفسك، واعلمي أنه لن ينفعك أحد ممن تحرصين على رضاهم الآن عندما تلقين ربك بأعمالك، ولا تتذرعي بحجج ضعيفة لترك ما يأمرك الله تعالى به، فليس قصر قامتك بعذر لك أيضاً لتتركي غطاء الوجه، فكشفك لوجهك لن يزيد من طول قامتك، وإياك أن تجعلي ثغرة في نفسك ليلج منها الشيطان فيقنعك بمثل هذه الأعذار الواهية، وها هنَّ النساء المستقيمات على أمر الله تعالى في العالَم كله يلتزمن النقاب، والخمار، ولا يلتفتن لمثل هذه الأعذار.

واستعيني بالله تعالى ربك على تثبيتك على الحق، وإعانته لك على فعل الطاعات، وترك المنكرات، فهو نعم المولى، ونعم النصير.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>