زنت وعلم وليها وخاطبها فهل للولي أن يقول في العقد: زوجتك ابنتي البكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريبة أخطأت في الماضي ولكنها تابت والحمد لله وتم خطبتها لشخص على خلق ودين وصارحته بما حدث وسامحها وأراد أن يتم ستر الله عليها ولكن هناك سؤال يدور في ذهنه: عن عقد القران إذا قال الولي: زوجتك ابنتي البكر الرشيد علما بأن الخاطب والولي على علم تام بما حدث ولكن تعلمون أن عرف الزواج دار على قول هذه الجملة فهل إذا قالها الولي مع علم الزوج يكون الزواج صحيحا أم باطلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت قريبتك قد تابت والحمد لله، فلا يلزمها أن تخبر خاطبها بالأمر، فكان ينبغي أن تستتر بستر الله تعالى، ولا يلزمها إخباره، حتى ولو سألها، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (٨٣٠٩٣) .
وحيث إنها أخبرته، ووافق على الزواج بها مع علمه أنها ليست بكرا، فلا حرج على الولي أن يقول: زوجتك ابنتي البكر الرشيد الخ، فهذا وإن كذبا من الولي إلا أنه يترتب عليه مصلحة عظيمة وهي الستر، ولا ينشأ عنه ضرر على أحد، فيجوز لهذا الاعتبار.
وقد جاءت الرخصة في الكذب في ثلاثة مواضع، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (١٩٣٩) وأبو داود (٤٩٢١) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهو محمول عند جماعة من أهل العلم على الكذب الصريح، لا التورية، وقد ألحقوا به ما دعت إليه الضرورة أو المصلحة الراجحة، فيجوز الكذب فيه. وإن احتاج إلى الحلف، حلف ولا شيء عليه، والأولى أن يستعمل المعاريض والتورية.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَرْب خُدْعَة) ... وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحَدهَا فِي الْحَرْب. قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا يَجُوز مِنْ الْكَذِب فِي الْحَرْب الْمَعَارِيض دُون حَقِيقَة الْكَذِب , فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ , هَذَا كَلَامه , وَالظَّاهِر: إِبَاحَة حَقِيقَة نَفْس الْكَذِب، لَكِنْ الِاقْتِصَار عَلَى التَّعْرِيض أَفْضَل. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وقال السفاريني رحمه الله: " فهذا ما ورد فيه النص، ويقاس عليه ما في معناه، ككذبه لستر مال غيره عن ظالم , وإنكاره المعصية للستر عليه، أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها , بل يلزمه الستر على نفسه وإلا كان مجاهرا , اللهم إلا أن يريد إقامة الحد على نفسه كقصة ماعز , ومع ذلك فالستر أولى ويتوب بينه وبين الله تعالى.
وكل ذلك يرجع إلى دفع المضرات. وقد قدمنا عن الإمام الحافظ ابن الجوزي أن ضابط إباحة الكذب أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا به فهو مباح , وإن كان ذلك المقصود واجبا فهو واجب , وكذا قال النووي من الشافعية.
فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله فلقي رجلا فقال: رأيت فلانا؟ فإنه لا يخبر به، ويجب عليه الكذب في مثل هذه الحالة، ولو احتاج للحلف في إنجاء معصوم من هلكة. قال الإمام الموفق: لأن إنجاء المعصوم واجب ... ولكنه والحالة هذه ينبغي له العدول إلى المعاريض ما أمكن لئلا تعتاد نفسه الكذب ".
ثم قال السفاريني: " والحاصل: أن المعتمد في المذهب أن الكذب يجوز حيث كان لمصلحة راجحة كما قدمناه عن الإمام ابن الجوزي , وإن كان لا يتوصل إلى مقصود واجب إلا به وجب. وحيث جاز فالأولى استعمال المعاريض " انتهى من "غذاء الألباب" (١/١٤١) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب