ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكان الآخر لا يستنزه عن البول - أو من البول -.
سؤالي هو:
ما الاستتار؟ وما هو التنزه؟ والفرق بينهما؟ وكيف نوفق بين الروايتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (٢١٦) ومسلم (٢٩٢) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) .
وفي رواية لمسلم (لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ) .
وفي رواية للنسائي (٢٠٦٨) (لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي".
قال النووي:
" وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يستتر من بوله) فروى ثلاث روايات: (يستتر) بتائين , و (يستنزه) بالزاي والهاء , و (يستبرئ) بالباء والهمزة، وكلها صحيحة , ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه.
"شرح مسلم" (٣/٢٠١) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر:
قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر: (يستبرئ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (يستنزه) .
فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني: لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. . .
وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي.
قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أما أحدهما فيعذب في البول) ، ومثله للطبراني عن أنس.
"فتح الباري" (١/٣١٨) .
وقال الصنعاني:
ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار، أي: لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه.
"سبل السلام" (١/١١٩، ١٢٠) .
والخلاصة:
أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب