مشكلة في النفقة بينه وبين زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ سنتين ولدي طفلة ولله الحمد، ومشكلتي الأساسية مع زوجتي هي في المصروف، وأريد الإنصاف منكم حتى لا أظلمها أو أظلم نفسي؟ أنا موظف، وراتبي ٨٣٦٠ ريالا، وزوجتي موظفة وراتبها ١٨٨٠ ريالا. طبعا أخذت عهدا مع نفسي أن أوفر ٣٠٠٠ من راتبي كل شهر لتأمين المستقبل بعد الله من منزل وخلافه , وأصرف الباقي (٥٣٦٠) ، ولا يتبقى منه شيء غالبا، نحن من أوساط الناس , وأتكفل بمصروف البيت ومصروف ابنتي، زوجتي فقط متكلفة بمصروفها الشخصي من ملابس وهدايا لها ولأهلها، ولا يلبث أن يمضي أسبوعان بعد الراتب إلا وهو منتهٍ، وأعطيها فوق الراتب، مع أنه من المفروض أن يكفيها راتبها إلى نهاية الشهر، بحكم عدم التزامها بأية مصاريف في البيت. ابنتي الصغيرة تتطلب حضانة، نظرا لانشغال والدتها بالعمل صباحا، والحضانة تطلب حدود ٥٠٠ ريال شهريا , هل من الواجب علي دفع هذا المبلغ أم والدتها؟ وإذا كان واجبا علي دفع المبلغ، هل يجب علي أن أعطي والدتها مصروفا شهريا بالإضافة إلى راتبها من غير مصاريف البيت؟ وعلى افتراض أن الزوجة استقالت من عملها، وجلست بالبيت، كم يجب علي إعطاؤها مصروفا شخصيا شهريا، متضمن الملابس والهدايا، مع العلم أن بإمكانها إنفاق من ١٠٠٠ – ٤٠٠٠ شهريا لو فتح الأمر؟ أرجو منكم الإجابة بالأرقام لكي يتضح الأمر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النفقة على الزوجة من الواجبات المترتبة على النكاح باتفاق أهل العلم، وهي من المعروف الذي ينبغي بذله، ومن الإحسان الذي أمر الله سبحانه وتعالى به.
يقول الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/١٩.
ويقول سبحانه: (ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق/٧.
ويقول عز من قائل: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/٢٣٣.
وللمنفق عند الله الأجر العظيم والثواب الجزيل أن كفى أهله وأولاده حاجاتهم وقام على رعايتهم وأحسن إليهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (٢٢٠٦٣) .
ثانيا:
يجب على الزوجة طاعة زوجها، والقيام على شؤون بيته وأبنائه بالتربية والرعاية، وهذا من حقوق الزوج عليها، يجب عليها أداؤه لزوجها بالمعروف، فإن أخلَّت به - بحكم عملها خارج المنزل ووظيفتها - فحينئذ تنبني بعض الأحكام الشرعية المهمة:
١- إن كانت اشترطت على زوجها حين العقد الاحتفاظ بعملها، والسماح لها بالخروج إليه، ووافق على ذلك، فلا حرج عليها حينئذ من الخروج لعملها، ومالُها الذي تكتسبه من وظيفتها حقٌّ خالصٌ لها، لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا منه بغير رضاها، ولها أن تنفق منه كما تشاء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (٤٠٣٧) ، (٢١٦٨٤)
وتبقى نفقتها واجبة على الزوج، يتكفل بتدبير معاشها من مأكل ومسكن وملبس بالمعروف.
وهو حين رضي بعملها يدرك أنه سيضطر إلى اللجوء إلى الحضانات المتخصصة لرعاية أبنائه وأطفاله في وقت عملها، وأنه سيترتب عليه مزيد نفقة وكلفة مالية، والمسلمون عند شروطهم.
٢- أما إن لم تكن شرطت عليه في العقد الاحتفاظ بعملها، فله أن يمنعها من الخروج، ولا يجوز لها أن ترفض قراره، فإن رفضت فقد نشزت عن طاعته وسقط حقها في النفقة، وله أيضا أن يشترط عليها إن خرجت إلى عملها أن تتكفل بمصاريف الحضانة أو المساعدة في مصاريف المنزل أو تنفق على نفسها من راتبها، ويجب عليها أن تلتزم بشرطه إن أصرت على الخروج.
وفي كتاب "البحر الرائق" (٤/٢١٢) :
" وللزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج؛ لأن في الخروج إضرارا به، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب؛ لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه " انتهى باختصار.
ثالثا:
أما تقدير النفقة فضابطه: " الكفاية "، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) البخاري (٥٣٦٤) ومسلم (١٧١٤) .
ويراعى في ذلك حال الزوج من غنى أو فقر، لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) الطلاق/٧.
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (٤١/٣٩) .
والكفاية تتفاوت من بلد لآخر، ومن زمان لزمان، لكن تقديرها بالضبط يرجع إلى أهل الخبرة ومتوسط حال الناس، فإن تنازع الزوجان فيها فللقاضي الفصل بينهما بتحديد المبلغ الذي يسد الكفاية.
والمعتبر في " الكفاية " هو الطعام والسكن بمرافقه واللباس والعلاج، ولا يعتبر ما يزيد عن ذلك من المصاريف الزائدة من هدايا وكماليات، ولا يجب دفع مصروف للزوجة.
ولا نستطيع تحديد مبلغ معين، فإما أن يتفق الزوجان على مبلغ ما، وإما أن ترفع القضية إلى القاضي ليحدد هو ما يراه مناسبا.
غير أننا نحثك وننصحك بالتسامح والمعاملة بالمعروف، دون اللجوء إلى المحاسبة والمساءلة على الريال والريالين، بل ليكن السخاء والجود هديك وخلقك، فأنت تنفق على أهلك وولدك وهم أقرب الناس إليك، ولا يلجئك التوفير إلى التضييق عليهم أو إيقاع الشقاق بينك وبينهم، فسعادة المنزل أولى من التوفير لتأمين المستقبل المجهول، ولعل كسبك ود زوجتك بإكرامها والتسامح معها يذكرها هي أيضا بضرورة مبادلتك الإحسان إحسانا، فيعود ذلك عليك سعادة وطمأنينة في بيتك، ورضا واقتصادا في نفقتك.
وانظر جواب السؤال رقم (٣٠٥٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب