وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. صحيح مسلم رقم ١٦٦١
وهذه المصارحة والمفاتحة من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه كانت لعلمه صلى الله عليه وسلم بقبول الصحابي لذلك، فالصراحة وسيلة مفيدة تختصر الوقت وتوفّر الجهد وتبيّن المقصود بأيسر طريق ولكنها تكون فيما يُناسب من الأحوال والأشخاص.
وقد يعدل الداعية عن مصارحة المخطئ إذا كان في ذلك حصول مفسدة أكبر أو تفويت مصلحة أعلى كأن يكون المخطئ صاحب جاه أو منصب لا يتقبّل ذلك أو أن يكون في المصارحة إحراج بالغ لمخطئ أو يكون ذا حساسية زائدة تجعله ذا ردّ فعل سلبي، ولاشكّ أن المصارحة مكروهة للمخطئ وثقيلة على نفسه لما فيها من المواجهة والإحراج والظهور بمظهر الناقص في مقابل ظهور الناقد في موضع المستعلي والأستاذ. وكذلك فإنه يجب التنبه إلى أن أسلوب " اللفّ والدوران " قد يكون له سلبيات مضاعفة تفوق المصارحة أحيانا وذلك لما قد يشعر به المخطئ من الاستغفال والتلاعب ويتضايق من الإشارات الخفيّة لشعوره بأنها غمز وإيذاء مبطّن ثمّ إن التوجيه قد لا يصل أصلا لخفاء المقصود وبعده عن ذهن المخطئ فيمضي في خطئه قُدُما. وعموما فإن الأشخاص يتفاوتون في التقبّل والأسلوب الأمثل المناسب لكل منهم، ولكن يبقى أن حسن الخلق في العرض والتوجيه له الأثر الأكبر في نجاح المهمّة.