شرح حديث ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه
[السُّؤَالُ]
ـ[نود شرحا لحديث: (ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه، ونشر عليه رحمته، وأدخله جنته: من إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) بالتحديد ما معنى: (إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ثلاثة مَن كُنَّ فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: من إذا أُعطِيَ شَكَر، وإذا قَدِرَ غفر، وإذا غضب فتر)
وله عن ابن عباس طريقان، كلاهما ضعيف جدا:
الطريق الأول: رواه الخطيب البغدادي في " المتفق والمفترق " (رقم/١٠٧٠) ، والحاكم في " المستدرك " (١/٢١٤) ، وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (٦/٢٤٩) ، من طريق عمر بن راشد مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان التيمي، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي، عن هشام بن عروة، عن محمد بن علي، عن ابن عباس به.
وعمر بن راشد هذا متهم بالكذب، ترجم له الذهبي في " ميزان الاعتدال " (٤/٣٠٣) فقال: " عمر بن راشد المدني الجاري – كان ينزل الجار -، أبو حفص، عن ابن عجلان، ومالك، ويزيد بن عبد الملك النوفلي.
قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا وزورا.
وقال العقيلي: منكر الحديث.
وتكلم فيه ابن عدي.
روى عنه مطرف بن عبد الله، وأبو مصعب المديني، ويعقوب الفسوي.
قال ابن عدي: كل أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات.
وقال الدارقطني: كان ضعيفا، لم يكن مرضيا، وكان يتهم بوضع الحديث على الثقات.
وقال أبو حاتم: العجب من يعقوب بن سفيان كيف روى عنه لأني في ذلك الوقت وأنا شاب علمت أن تلك الأحاديث موضوعة، فلم تطب نفسي أن أسمعها، فكيف تخفى على يعقوب ذلك.
قلت ـ القائل هو الحافظ الذهبي ـ: هذا يدل على عظم قدر يعقوب عند أبي حاتم.
وقال أبو داود: ضعيف.
وقال الحاكم وأبو نعيم: يروي عن مالك أحاديث موضوعة.
وقال الخطيب: كان ضعيفا، روى المناكير عن الثقات " انتهى
ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حبان في " المجروحين " (٢/٩٣) وقال: " فيما يشبه هذا من الأخبار التي ينكرها من لم يجهل صناعة الحديث، إذ الخبر لا أصل له " انتهى.
وضعفه البيهقي – بعد روايته له – بقوله: " عمر بن راشد: مولى مروان بن أبان بن عثمان، وهو شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه " انتهى.
فلا يقبل كلام الحاكم عقب روايته الحديث: " هذا حديث صحيح الإسناد، فإن عمر بن راشد شيخ من أهل الحجاز، من ناحية المدينة، قد روى عنه أكابر المحدثين " انتهى.
ولذلك تعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله: " بل واه " انتهى.
وقد رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (٦/٢٤٩) بسند آخر فيه عمر بن راشد أيضا، ولكن جعله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تعقبه البيهقي نفسه بقوله: " وهذا إسناد ضعيف " انتهى.
الطريق الثاني:
رواه مطرف بن عبد الله أبو مصعب المديني، عن ابن أبي ذئب. كما عند ابن عدي في " الكامل " (٦/٣٧٨) ، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (٦/٢٤٩) .
وفيه أحمد بن داود بن أبي صالح قال فيه ابن حبان: " يضع الحديث " انتهى. " المجروحين " (١/١٤٦) ، وانظر: " ميزان الاعتدال " (١/٩٦)
ولذلك حكم على الحديث بالوضع الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/٥٨٧)
ثانيا:
فضيلة الشكر عند النعمة، والعفو عند المقدرة، وتمالك النفس عند الغضب أبواب ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة بما يغني عن الأحاديث المكذوبة والموضوعة:
يقول الله تعالى: (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) القمر/٣٥.
ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى/٣٧.
ويقول عز وجل: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن/١٤.
والنصوص الثابتة في هذا الباب كثيرة، تراجع في مظانها، مثل رياض الصالحين وغيره من كتب الترغيب والرقاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب