للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابتلي بالوسوسة في الطلاق بعد العقد بساعتين

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب عقدت قراني علي فتاة، وبعد عقد القران بفترة قصيرة جدا ما تتجاوز الساعتين، بدون أي مقدمات وسوس لي بفكرة الطلاق، ومنذ تلك اللحظة أصبحت كلمة "أنتِ" أو "أنتِ طالق" ثقيلة علي لساني وتريد الخروج، وأنا لا أريد الطلاق، ولكن هذا الشيء كان أقوى مني، حيث أشعر بأن الذي يتكلم ليس أنا؛ علما بأني كنت أتحدث مع نفسي، ولم يكن الصوت مسموعا، حيث كنت بالسيارة؛ فأنا لا أذكر: هل أنا تلفظت بها أم لا؟ علما بأنه لم يكن في بالي أبدا الطلاق، حيث إنني أحب الفتاة، والحمد لله عقدت قراني عليها؛ فلماذا أطلق بدون سبب؟ ودائما الشيطان يوسوس لي بأني أعيش بالحرام وأنا أشعر بالهم علي صدري!!]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، ما دام لم يقصد الطلاق، لأنه كما ورد في السؤال: لا يريد الطلاق، ولا يفكر فيه، وليس هناك ما يدعو له، وإنما هي هواجس ووساوس، وقد تقوى هذه الوساوس حتى يخيل له أنه تلفظ بالطلاق، بل قد يلفظ به، لكنه معذور في ذلك؛ لأنه مغلوب على عقله، كالمغلق عليه من الغضب الشديد، أو الغالط الذي يتلفظ بكلمة الطلاق خطأ.

وقد بوب البخاري في صحيحه: بَاب الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ، وَتَلَا الشَّعْبِيُّ: (لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: (أَبِكَ جُنُونٌ) ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ " انتهى مختصرا.

وقد صرح جماعات من الفقهاء بما ذكرنا، من أنه لا يقع طلاق الموسوس، ولا يلزمه من ذلك شيء.

قال أبو القاسم العبدري:

" وسمع عيسى في رجل توسوسه نفسه، فيقول: قد طلقت امرأتي، أو: يتكلم بالطلاق، وهو لا يريده، أو: يشككه؟

فقال: يُضرِب عن ذلك [يعني: ينتهي عنه] ، ولا شيء عليه.

ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة: أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا طلاق فيه؛ لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يتلهى عنه، ولا يلتفت إليه؛ فإنه إذا فعل ذلك أيس الشيطان منه، فكان ذلك سببا لانقطاعه عنه إن شاء الله." انتهى. باختصار يسير، من التاج والإكليل (٤/٨٦) .

وينظر: البحر الرائق (٥/٥١) لابن نجيم الحنفي، وإعلام الموقعين لابن القيم (٤/٤٩) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه، حتى لو تلفظ به بلسانه، إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه، ومكره عليه، لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق ". فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.) انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (٣/٢٧٧) .

والحاصل أنه لا يقع عليك شيء من الطلاق ولو تلفظت به، إلا إذا قصدت الطلاق بقولك، وينبغي أن تسعى لعلاج هذه الوسوسة بالإكثار من الطاعة والذكر، وبالإعراض عنها ومخالفة ما تدعو إليه.

وينظر: سؤال رقم (٦٢٨٣٩) ورقم (١٠٥٩٩٤) .

ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصرف عنك كيد الشيطان.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>