زوجته أسلمت ويؤذيها ويسيء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل هاجر إلى بلاد أوروبا وتزوج من نصرانية وأنجب معها طفلة للحصول على الإقامة، وعاش السنين الأولى في الظلمات، وكان يعتدي على زوجته وابنته وكأنهم ليسو بأسرته، اعتنقت زوجته الإسلام بعد هداية من الله، ولكن حالته هو لم تتغير فلا يزال يزني ويرتكب المعاصي ولا ينفق في بيته مالاً ولا طعاماً، يعيش على نفقة زوجته بالقوة، والمسكينة صابرة على كل الظلم لأن لها أطفالاً آخرين ولا تريد تخريب بيتها، راجيةً من الله أن يهدي زوجها. أهل المرأة يرون الإسلام والأجانب السبب في هلاك ابنتهم، هل لكم من نصيحة أو طريقة قد ترد هذا الرجل إلى الصواب؟ وما حكم الإسلام في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هدى هذه الأخت للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها على الحق، وأن يهديها للصواب في الأقوال والأفعال.
وما ذكرته الأخت الكريمة هو صورة لمحنة الإسلام ـ إن صح التعبير ـ مع أهله، أهله الذين انتسبوا إليه، ثم خالفوا أحكامه وآدابه؛ ثم لو كانت المخالفة في ديار الإسلام، حيث يكون الدين ظاهرا، وأهله الذين هم أهله معروفون؛ فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، ولا يطعن في الإسلام بإساءة من أساء، لو كان ذلك لهان الأمر، لكن تعظم المصيبة حين يكون المرء من هؤلاء في الغرب، ويعيش بين الكفار، ويعتبرونه صورة لدينه، وممثلا لأخلاقه وآدابه وأحكامه، ثم هو يعيش في حياته كما يعيش من حوله من اليهود والنصارى، لا يبالي بحرام ولا حلال.
قال الأوزاعي رحمه الله: كان يقال: ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل.
وقال الحسن بن حي رحمه الله: إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن؛ فإذا أحدث المسلم حدثا ثُغِر في الإسلام من قبله؛ فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله، بالأمر الذي أراده من خلقه، لا يؤتى الإسلام من قبلك!!
" السنة لمحمد بن نصر المروزي رقم (٢٩، ٣٠)
وإنه ليحز في نفس كل مسلم أن تتعرض الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في الإسلام حديثاً إلى الإيذاء والضرر القولي والبدني من أناسٍ يُفترض بهم أن يكونوا صورة حسنة عن الإسلام، وعن الأسرة المسلمة والتي تتميز بالاستقرار والمودة والرحمة بين أفرادها، وللأسف أن يكون من بين المنتسبين للإسلام مثل هذا الزوج الذي كان قدوة سيئة ومنفِّراً عن الإسلام ومسبِّباً له الطعن والتشويه.
وإن كان من أفعال هذا الزوج ترك الصلاة: فلتعلم الأخت الفاضلة أنه لا يحل لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة في الشرع كفرٌ مخرج عن الملة، وبه يصير العقد مفسوخاً، ومثل هذا الزوج ليس أهلاً لأن يكون ربَّ أسرة يؤتمن فيها على زوجته وذريته، بل إنه يُخشى عليهم من سوء أفعاله، وإذا كان لا ينفق عليهم النفقة التي أوجبها الله تعالى عليه: فإنه يكون قد جمع الشر كلَّه في أفعاله وصفاته، والبقاء معه عبءٌ ثقيل تتحمله الزوجة من غيرِ داعٍ، ولو أنها تتخلص منه بالطلاق والفراق لكان خيراً لها وأفضل، ولعل حياتها أن تتغير للأحسن إما وحدها مع أبنائها أو مع زوجٍ آخر يعرف للأسرة قيمتها، ويؤدي الرسالة التي أوجبها الله تعالى عليه.
وعلى الأخت الفاضلة إن كانت ترجو هداية زوجها وصلاحه أن تسعى لذلك عن طريق أصدقائه أو أقربائه الذين يمكن أن يكون لهم تأثيرٌ عليه لتقويمه وهدايته، ويمكنها الاستعانة بالأشرطة السمعية والمرئية في المواعظ والترهيب من اقتراف المعاصي، والتذكير بالموت والقبر والحساب، فلعلَّ ذلك أن يؤثِّر فيه ويرجع لربه تبارك وتعالى.
فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً فلا ينبغي لها التردد في رفع أمرها لقاضٍ مسلم أو مفتٍ أو إمام مسجد يوثق بعلمهم ودينهم ليخلصوها منه، فإن لم تستطع فلترفع أمره لمن يخلصها منه من المسئولين عن حماية الأسرة أو القضاء أو غيرهما من مؤسسات الدولة، وهو إن كان تاركاً للصلاة فعقدها مفسوخ معه، وإن كان مرتكباً لتلك المعاصي مع أدائه للصلاة: فلتسلك الطريق الشرعي في التخلص منه عن طريق عالم أو طالب علم أو مركز إسلامي لإلزامه بالنفقة على أهله مع ترك المعاصي والمنكرات، فإن أبى فليطلقوها منه وفقاً للشرع، ولتسلك بعدها الطريق الرسمي للتخلص منه بصفته زوجاً.
ولتحرص هذه الأخت الفاضلة على الانتقال لبلاد الإسلام والمسلمين فإنها – على ما فيها من مخالفات للشرع – خيرٌ من بلاد الكفر والمجون، والتي لا يستطيع المسلم طلب السلامة لنفسه ولا لأولاده فيها.
ونسأل الله تعالى أن يُعظم لها الأجر، وأن يهديها ويوفقها وذريتها لما فيه رضاه عز وجل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب