للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زوجته تطيل لسانها وتسيء عشرتها ويعالج ذلك بترك الصلاة! معتقداً أنها قدر محتوم!

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف أخلص نفسي من مصائد الشيطان، فلديَّ زوجة ذات لسانٍ حادٍّ، وسيء، وقد فكرت عدة مرات أن أطلقها، وأتركها، ثم آتي، وأفكر في قدَري، فأقول: لماذا يختارُ الله لي هذا الوضع؟! وكنتيجة لذلك: أترك الصلاة، ثم أعود فاستغفر الله، وأتوب، فما هي نصيحتكم لي؟ وهل من الممكن شرح مسألة القدر؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

هذا المنطق – أخي السائل – الذي تتحدث به ليس مقبولاً منك، لا شرعاً، ولا عقلاً، وأنت لو كنتَ تعمل في بيئة سيئة، وفوقك مدير يهينك، ويحقرك، أو يبخس حقك، أو يحملك فوق طاقتك: لا نظن أنك تبقى في وظيفتك بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! بل الظن أنك تغادر عملك غير متأسف عليه، وتبحث عن عمل آخر، تحفظ به كرامتك، أليس كذلك؟ .

وظننا – أيضاً – أنه لو كان عندك جيران يسيئون في جيرتهم، ويطلعون على عوراتكم، ويؤذنوكم الليل والنهار: لكنتَ غادرت ذلك المنزل غير مأسوف عليه، ولن ترضى لنفسك أن تبقى في العذاب بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! أليس كذلك؟ .

وما الفرق بين هذين الأمرين، وبين وجود زوجة قبيحة الأخلاق، طويلة اللسان، وسيئة العشرة، في ذمتك، تراها طيلة الوقت وتراك، وتنام معها وتنام معك؟! إن الذي يدفعك لتغيير وظيفتك السيئة بمديرها، وتغيير منزلك السيء بجيرانه: هو الذي ينبغي أن يدفعك لتغيير زوجتك سيئة العشرة، ولا فرق.

فهل من المقبول، عند أهل العقول، أن يحتج المرء بالقدر في أمر الزوجية، ولا يفعل الأمر نفسه في سائر أموره! وأنت في كل ما سبق: لك الخيار أن تبقى في وظيفتك أو تغادرها، وأن تبقى في منزلك أو تغادره، وكذلك لك الخيار في أن تبقى مع زوجتك أو تفارقها، فما اخترته لنفسك: لم يجبرك الله تعالى عليه، بل أنت من اختاره لنفسه، وعليك تحمل أثر ذلك وحدك.

لقد كان من الممكن أن نناقش هذا الذي تتحدث عنه في أمر القدر، لو كان صاحب الشكوى هو الزوجة التي لا تملك أمر نفسها، ولا تستطيع الفكاك من زوجها بتطليقه، وربما لو استطاعت ذلك، لأحجمت عنه لما تعلم من عواقب ذلك عليها، أو لفقدها المأوى والعائل؛ أما والشاكي هو الزوج، فما أجدره بقول القائل:

أيهذا الشاكي، وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا!!

ثم ما دخل الصلاة ـ يا رجل ـ بسوء عشرة زوجتك، حتى تتركها، ولماذا لم تبق على صلاتك على الأقل بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! وسبحان الله كيف تمكَّن منك إبليس فجعلك تترك صلاتك التي علَّق الشرع الكفر على تركها! وليس لك خيار في تركها، وجعلك تتمسك بزوجتك التي استحب لك الشرع تطليقها، وهي بالحال التي وصفت؟! فما كان لك الخيار في تركه: تمسكت عنه بحجة القدر! وما ليس لك الخيار في تركه: تركته، ولم تحتج لا بالقدر، ولا بالشرع! فأي غفلة هذه عن شرع الله تعالى، وأي تلبيس لبّسه الشيطان عليك؟! .

ثانياً:

الواجب عليك – أخي السائل – الآن ألا تترك صلاة واحدة، وأن تتوب إلى الله عز وجل من تلك الكبيرة، والمعصية العظيمة، وأن تربي نفسك على تعظيمها وإجلال شأنها، فهي من أعظم شعائر الله؛ بل هي أعظم شعيرة فرضها الله على عباده، بعد توحيده؛ وقد قال الله تعالى:

(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /٣٢.

أوما علمت ـ يا عبد الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدفع عنه الحزن، بإقام الصلاة:

روى الإمام أحمد (٢٢٧٨٨) وأبو داود (١٣١٩) ـ وحسنه الألباني في صحيح الجامع ـ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) .

قال ابن الأثير: أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْر مُهِمّ، أَوْ أَصَابَهُ غَمّ. انتهى.

فانظر، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفر إلى الصلاة، ويلجأ إليها، إذا أصابه هم أو حزن، وأما أنت فتفر منها؛ فيا عجبا كل العجب!!

وفي حكم تارك الصلاة: انظر جواب السؤال رقم: (٥٢٠٨) .

ثالثاً:

اعلم أن الشرع المطهَّر قد رغَّبك بنكاح ذات الدين ابتداء، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن مقاصد الرجال في اختيار زوجاتهم مختلفة، فمنهم من يبحث عن الجمال، ومنهم من يبحث عن النسب، ومنهم من يبحث عن صاحبة المال، والوصية من النبي صلى الله عليه وسلم هي نكاح ذات الدِّين، فأين احتجاجك القدر من ذلك وهو يوصيك بالبحث، والتحري، ونكاح من يسعدك في دنياك، ويحفظ عليك عرضك، ومالك، وأولادك؟! .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) . رواه البخاري (٤٨٠٢) ومسلم (١٤٦٦) .

وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم: (٧١٢٢٥) .

والأمر كذلك بالنسبة لأولياء المرأة، فليس أول من يطرق بابهم ليخطب ابنتهم يزوجونه إياها، بل يسألون عن دينه، ويتحرون عن خُلُقه، ولو كان قدراً مجرّداً ليس لهم فيه خيار: لما كانت الوصية للأولياء بتزويج بناتهم بأصحاب الخلق والدِّين، فتنبه لهذا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) .

رواه الترمذي (١٠٨٤) ، وابن ماجه (١٩٦٧) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".

فلو كان الأمر مجرد قدَر: لما شُرع الطلاق، بل لأصبحت الزوجة قدر زوجها، والزوج قدر زوجته، يلتقيان، ولا يفترقان حتى الموت! وهذا ليس شرع الله تعالى، بل قد شرع ربنا تعالى للزوج الطلاق، واستحبه له أحياناً، وأوجبه أحياناً أخرى، بل إن الزوج ليكون " ديوثاً " لو أنه أبقى امرأته عنده وهي تصاحب الرجال الأجانب، وقد شرع الله تعالى للمرأة " الخلع "، فلها أن تخالع زوجها إن رأت عدم استقامته على شرع الله تعالى، أو أنه لا يؤدي حقوقها، وهو يرفض تطليقها، فأين القدر في الحياة الزوجية وفيه مثل هذه التشريعات؟! .

وانظر جواب السؤال رقم: (١٨٠٤) ففيه الرد على مسألة " هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله؟ ".

وقد بينَّا في جواب السؤال رقم (٤٩٠٠٤) مراتب القدَر، وأدلتها بالتفصيل، فانظره.

رابعاً:

وأخيراً:

١. تب إلى الله تعالى مما فعلتَ من تركك للصلاة.

٢. لا تعد لمثل ذلك الفعل.

٣. لا تنسب للقدر عجزك، وسوء تصرفك، بل انسب ذلك لنفسك التي اختارت ذلك.

٤. عظ زوجتك بالتي هي أحسن أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن تؤدي الواجبات الزوجية المنوطة بها، وأن تكف عن الإساءة إليك بالقول والفعل.

٥. وسِّط العقلاء من أهلها لنصحها، وتوجيهها.

٦. إن لم ينفع ذلك معها: فلا تتردد في تطليقها.

٧. اسأل ربَّك تعالى أن يبدلك خيراً منها، واستعن به عز وجل على تحقيق ذلك، وابذل من أسباب البحث عن ذات الدِّين ما تحمِّل نفسك مسئولية ذلك الاختيار.

٨. حافظ على صلاة الاستخارة قبل البت في اختيار الزوجة.

وتجد تفصيل صلاة الاستخارة في جوابي السؤاليْن (٢٢١٧) و (١١٩٨١) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>