هل تأثم بحضورها حفلات الزواج المنكرة إن جلست بعيدا وعاونتهم في الطبخ ونحوه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يكون الاحتفال بالأعراس في بلادنا بالطبل والغناء والرقص، فهل علي من إثم لو ذهبت إلي العرس وجلست بعيداً عن مجلس الغناء وخاصة في أعراس أهل زوجي وأهلي فلا أستطيع عدم الذهاب والمعاونة في الأمور المباحة مثل الطبخ وغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز حضور حفلات الأعراس المشتملة على المنكرات، كالأغاني المصحوبة بالطبل، أو سواه من المعازف، إلا الدف، أو المشتملة على الاختلاط بين الرجال والنساء، أو غير ذلك من المنكرات، إلا لمن يقدر على إنكارها، ويغلب على ظنه زوال المنكر بإنكاره.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا دعي إلى وليمة فيها معصية، كالخمر والزمر والعود ونحوه، وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر، لزمه الحضور والإنكار؛ لأنه يؤدي فرضين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. وإن لم يقدر على الإنكار، لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر، أزاله، فإن لم يقدر انصرف. ونحو هذا قال الشافعي " انتهى من "المغني" (٧/٢١٤) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: " إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء والغناء الماجن أو كانت إذا حضرتْ غَيَّرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور، بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته.
أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها لعموم قوله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الأنعام/٧٠، وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/٦، والأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف كثيرة جدا " انتهى، نقلا عن "فتاوى المرأة"، جمع: محمد المسند (ص ٩٢) .
ثانيا:
إذا كان ذهابك للعرس ومشاركتك في الطبخ ونحوه، لا يترتب عليه سماع المنكر، أو إقراره أو الإعانة عليه، كأن يكون محل المنكر بعيدا عنك، أو أن تنصرفي من المكان قبل شروعهم في منكراتهم، فلا حرج عليك في الذهاب حينئذ، وينبغي أن تبذلي لهم النصح، وتبيني لهم حكم هذه المنكرات، وتحريم المشاركة فيها.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/١٤٠:
" قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر , (إنكم إذا مثلهم) : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية " انتهى.
وقال السعدي رحمه الله:
" وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق , التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه , وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. (إِنَّكُمْ إِذًا) أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مَثَلُهُمْ) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم , والراضي بالمعصية كالفاعل لها.
والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به , فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة , أو القيام مع عدمها " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص ٢١٧) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب