للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز لهما الزواج مع اشتراط عدم الجماع؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز في الإسلام لزوجيْن أن يعيشا معاً دون إقامة أية علاقة زوجية - جسدية - (ولو لمرة واحدة) وأن يظلا فقط كأصدقاء؟ وما هو وضع هذه الزوجة فى الإسلام؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

لا يجوز في الشرع أن يعيش رجل وامرأة أجنبييْن معاً في بيت واحد، ولذا فإن تشبيه اجتماع الزوجين من غير جماع باجتماع الأصدقاء تشبيه غير سليم.

ثانياً:

على الزوجين أن يعلما أنه من أعظم مقاصد النكاح: حفظ الفرج، وإعفاف النفس، ووجود الذرية، وهو ما لا يمكن وجوده من غير جماع.

وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح الولود، بل قد نهى بعض أصحابه عن نكاح امرأة لا تلد.

فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) . رواه النسائي (٣٢٢٧) وأبو داود (٢٠٥٠) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٩٢١) .

وينظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم (٣٢٦٦٨) ، وينظر جواب السؤال رقم (١٣٤٩٢) .

وأما أن يجتمع الزوجان في بيت زوجية من غير جماع: فهذا يمكن تصوره والقول بجوازه في زوجين مريضين أو كبيرين ليس عندهما شهوة نكاح، وأما إن كانا عندهما شهوة النكاح فكيف يجتمعان من غير أن يعف أحدهما نفسه ويعف الآخر؟ وأين سيقضي كل واحد منهما شهوته إن لم يفعل ذلك مع من أحله الله له؟!

كما يمكن تصوره والقول بجوازه في حال كون المرأة شابة وعندها شهوة، وترضى بالزواج من رجل عنِّين أو مجبوب أو كبير في السن؛ والعكس كذلك، وهو أن يتزوج الرجل بمريضة ليس عندها شهوة، أو رتقاء، ويكون قادراً على الصبر محتسباً الأجر، أو عنده غيرها من الزوجات يقضي شهوته معهنَّ..

ثالثاً:

قد فرَّق الفقهاء بين مسألتين في هذا الباب:

الأولى: أن يُشترط في عقد النكاح على عدم حل الجماع بينهما، فهنا يبطل الشرط، ويبطل العقد على قول جمهور العلماء.

والثانية: أن يُشترط في عقد النكاح أن لا يحصل بينهما جماع، وفي المسألة تفصيل، وأرجح الأقوال: أنه يصح العقد ويبطل الشرط، فلا اعتبار له، ولا قيمة له، سواء كان الشرط من الزوج، أم من الزوجة، أم من كليهما.

جاء في " الموسوعة الفقهية " (٤٤ / ٤٥) :

"فرَّق الفقهاء في حكم ذلك الاشتراط بين حالتين، حالة اشتراط نفي حل الوطء، وحالة اشتراط عدم فعله.

وبيان ذلك فيما يلي:

إذا اشترط في عقد النكاح نفي حل الوطء، بأن تزوجها على أن لا تحل له: فلا خلاف بين أهل العلم في بطلان هذا الشرط، ولكنهم اختلفوا في تأثيره على صحة العقد، وذلك على قولين:

أحدهما: لجمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة، وهو بطلان الشرط والعقد معاً؛ وذلك لإخلال ذلك الشرط بمقصود العقد؛ وللتناقض، إذ لا يبقى معه للزواج معنى، بل يكون كالعقد الصوري.

والثاني: للحنفية، وهو أن الشرط فاسد، والعقد صحيح؛ إذ القاعدة عند الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما يبطل الشرط دونه.

أما إذا شرط في عقد النكاح عدم الوطء: فقد اختلف الفقهاء في حكمه على ثلاثة أقوال:

أحدها: للحنفية والحنابلة، وهو أنه يصح العقد ويلغو الشرط، أما بطلان الشرط: فلأنه ينافي مقتضى العقد، ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد لولا اشتراطه، وأما بقاء العقد على الصحة: فلأن هذا الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد فلا يبطله.

والقاعدة عند الحنفية: أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما يبطل الشرط دونه.

والثاني: للمالكية، وهو أن الشرط فاسد، والعقد فاسد؛ لوقوعه على الوجه المنهي عنه شرعاً.

ثم اختلف المالكية فيما يترتب عليه بعد الوقوع، فقيل: يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وقيل: يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور في المذهب.

والثالث: للشافعية، وهو أنه إذا نكحها بشرط أن لا يطأها، أو لا يطأها إلا نهاراً، أو إلا مرة مثلاً: بطل النكاح إن كان الاشتراط من جهتها؛ لمنافاته مقصود العقد، وإن وقع منه: لم يضر؛ لأن الوطء حق له، فله تركه، والتمكين حق عليها، فليس لها تركه" انتهى.

رابعاً:

على المرأة أن لا ترضى بهذا الزواج، وينبغي للرجل أن لا يوافق المرأة إن هي رغبت بأن لا يكون بينهما جماع، وليعلما أن هذا يخالف الفطرة السوية، وقد خلق الله تعالى في الرجل ميلاً للمرأة، وخلق في المرأة ميلاً للرجل، ومن الناس من يصرِّف شهوته في حرام، ومنهم من يصرفها في حلال، والزواج من شرع الله تعالى الذي أباح فيه لقاء الرجل والمرأة، وجعل بينهما مودة ورحمة، وجعل منهما الولد والذرية.

قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل/٧٢.

وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/٢١.

والزواج من سنن المرسلين، عليهم الصلاة والسلام، وهم أفضل البشر. قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) الرعد/ ٣٨.

وقال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) آل عمران/٣٨.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>