طلبت من زوجها الطلاق لأنه يظلمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طلقَنِي زوجِي قبلَ يومين بعد زواجٍ دامَ ١١ شهرًا فقط!! واعتُبِر طلاقُنا خلعًا، نظرًا لأنِّي تنازلت عن مبلغٍ من المالِ كان في ذمةِ زوجِي لي، وحيث إنَّنِي قد لاحظتُ أنَّ ما يوقِفُ طلاقَه لي هو هذا المبلغ، وليس الحبُّ أو العِشرةُ التي بينَنا؛ لذلك تنازلتُ عنه، وهو بكلِّ سهولةٍ طلَّقَني، أنا أحببته جِدّاً، وكنت أدعو اللهَ أن لا يتِمَّ الطلاق، وصلَّيْتُ استخارةً، وكنت في المحكمةِ ساكتةً، ونظراتي للقاضِي كلُّها توسُّلٌ بأن لا يتمَّ هذا الطلاق، رغم أنَّه عندمَا سألنِي القاضي هل أنتِ موافقةٌ ومقتنعةٌ؟ كنت أردُّ بالإيجاب، حفاظًا على كرامتي التي جرحَها زوجِي وزوجتُه الأولى (حيث إنّني الزوجةُ الثانية) . أودُّ أن أستفسِرَ عن الآتي: ١- ما معنى أنَّ عرشَ الرحمنِ قد اهتزَّ بطلاقِنا؟ ٢- هل اللهُ غضبانٌ منِّي لطلبِ الطلاقِ حفاظًا على كرامَتِي، ولأنَّ زوجي لم يكن عادلا في النفقةِ وأحيانًا في المبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمدُ لله
أولاً:
نسأل اللهَ تعالى أن يوفقكِ لكلِّ خير، وأن يرزقَك السعادةَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، ويعوضَك الزوجَ الصالحَ والذريةَ الطيبةَ.
واعلمي أنَّ الابتلاءَ سنةُ الحياةِ الدنيا، ولا بدّ للمسلمِ أن يوطِّن قلبَه على تحمُّلِ المصائبِ ومواجهةِ المشاكل، ومن أعظمِ البلاءِ الذي يصابُ به الناسُ فقدُ حبيبٍ أو صديقٍ بموتٍ أو غيابٍ أو فرقةٍ، ولكنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى – بمنِّه ولطفه – ما يزال يفتحُ للناسِ أبوابَ رحمتِه، فييسرُ لهم من الأحبابِ والأصحابِ مَن يُعينُ على الخير، ويخففُ على القلبِ نصبَه ويزيلُ عنه وَحشتَه.
فلا تحزني على ما فات، فما أصابَ العبدَ لم يكن لِيُخطِئَه، واللهُ سبحانه وتعالى يقول: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/٢١٦.
ثانياً:
يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها , إذا كان هناك سبب يبيح ذلك , كما لو كان مقصراًً في حقها أو ظالماً لها أو أساء معاملتها , ولم يقبل نصيحة ناصح في حسن معاملتها ومعاشرتها بالمعروف.
أما طلب المرأة الطلاق من غير سبب فحرام , بل من كبائر الذنوب.
يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائِحَةُ الجَنَّةِ) رواه أبو داود (٢٢٢٦) والترمذي (١١٨٧) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قالَ المُبارَكفورِي: أَيْ: من غيرِ شدةٍ تُلجِئُها إلى سؤالِ المفارقَة.
"تحفة الأحوذي" (٤/٤١٠) .
وقال الحافظُ ابنُ حجر:
" الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك " انتهى من "فتح الباري" (٩/٤٠٢) .
وانظري السؤال رقم (٩٤٨١) (١٢٤٩٦) (٣٤٥٧٩) .
والمخالعةُ أيضًا جائزةٌ إذا كانت بعذرٍ شرعي، لدفعِ ظلمٍ أو حفظِ حقٍّ أو غيرِ ذلك من الأعذار، وقد سبقَ بيانُها في جواب السؤال رقم (١٨٥٩) .
والمحرَّم فيها إنَّما هو طلبُ الخلعِ من غيرِ عذرٍ أو سبب.
جاء في الحديثِ عن النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ) رواه الترمذي (١١٨٦) والنسائي (٣٤٦١) وضعفاه، وقال ابن قدامة في المغني (٧/٢٤٨) : ذكره أحمد محتجًا به، ومال ابن حجر إلى تصحيحه، كما في "فتح الباري" (٩/٤٠٣) وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (١١٨٦) .
قالَ المباركفوري:
" أي: اللاتي يَطلُبنَ الخلعَ والطلاقَ عن أزواجِهن من غيرِ بأسٍ " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (٤/٤٠٩) .
ثالثاً:
الواجبُ على الزوجِ إذا تزوج بأكثر من واحدة، أن يلتزمَ بالشرطِ الذي أخذه اللهُ تعالى على الأزواجِ حين قالَ سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/٣.
فإن علمَ من نفسِه التقصيرَ في حقِّ إحدى زوجاتِه، فلا يجوزُ له أن يُعَلِّقَها ويظلمَها، بل الواجبُ عليه أن يعطيَها حقَّها من النفقةِ والمبيتِ والمعاشرةِ بالمعروف، ويعدلَ بينها وبينَ زوجاتِه الأخرى، فإن لم يستطِع فتسريحٌ بإحسان، والإحسانُ يقتضي ألا يأخذَ من مالِها شيئًا.
وانظري سؤال رقم (٤٥٦٠٠) .
فإن رفضَ الزوجُ التسريحَ بإحسانٍ، ولم يُبالِ بالظلمِ الواقعِ على زوجِه، ورغبت الزوجةُ في استعجالِ فراقِها عنه، ولو بِعِوَضٍ تُرضِي به الزوج، كان لها ذلك، والإثمُ على الزوج، والمالُ الذي يأخذُه منها مالٌ حرامٌ.
وقد سبقَ بيانُ ذلك بتوسعٍ في سؤال رقم (٤٢٥٣٢) .
رابعاً:
أمّا السؤالُ عن الطلاقِ هل يهتزُّ منه عرشُ الرحمن؟
فلم يصِحَّ شيءٌ في ذلك، والحديثُ المرويُّ بهذا المعنى حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٤٣٤٩٨) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب