هل يكون مع المؤمن في الجنة أولاده وممتلكاته التي كانت له في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ما يملكه الشخص من أشياء هنا في الدنيا، كأولاد وممتلكات، ستكون معه هناك في الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أفادت النصوص الشرعية، من الكتاب والسنة، أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون مما يشتهون، لا يطلبون شيئا إلا وجدوه، ولا يريدون حاجة إلا نالوها، وهم مع ذلك لا يكدر نعيمهم، ولا ينغص عليهم بانقطاع أو زوال أو نقصان أو عيب.
ومن ذلك أهله وذريته - إن كانوا صالحين – فإن الله يلحقهم به، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، منة منه وفضلا – سبحانه -.
قال الله عز وجل: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/٣١-٣٢.
وقال سبحانه: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/٧١.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" (لهم فيها ما يشاءون) أي: من الملاذ: من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد. وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال، ولا انقضاء، لا يبغون عنها حولا. وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم، وأحسن به إليهم " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (٦ / ٩٨)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) رواه البخاري (٣٢٤٤) ومسلم (٢٨٢٤) .
وروى البخاري (٧٥١٩) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ (أي سبق ذلك لمح البصر) فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر رحمه الله:
" وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها. قاله المهلب " انتهى.
"فتح الباري" (٥ / ٢٧)
ثانيا:
ليس يعني ذلك أن هذه الأشياء الموجودة في الجنة هي نفس الأشياء الموجودة في الدنيا، بل ولا هي مماثلة لها من كل وجه، وإنما هي تفاح حقيقة ـ مثلا ـ كما نفهمه من اسم التفاح، وهي لحم طير حقيقة، كما نفهمه من لحم الطير، وبينهما من التفاوت العظيم، ما الله به عليم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء "، وفي رواية: " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ".
رواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم في تفسيره (١/٦٦) ، وغيرهما. قال البوصيري: " رواه مُسَدَّد موقوفًا، ورواته ثقات". انتهى. "إتحاف الخيرة المهرة" (٨/٢٧٣) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (٣٧٦٩) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (٦/٤٦٨) .
وقال ابن كثير رحمه الله: " يعني: أن بين ذلك بَونًا عظيما، وفرقًا بينا في التفاضل ". انتهى.
"تفسير ابن كثير" (٧/٥٠٣) .
والخلاصة: أن الله تعالى يمن على عبده في الجنة بما يشتهيه، وتقر به عينه فيها، لكن حقائق هذا النعيم: ليست هي نفس الأشياء التي كانت معه في الدنيا، بل هي مشابهة لها.
والله أعلم.
يراجع للاستزادة إجابة السؤال رقم (١٢٦٦٢٩) ، (٢٠٢٨٦) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب