حكم تهييج الشهوة بين زوجين بالشتائم البذيئة وقبيح الكلام والضرب!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب، ٣١ عاماً، مقبل على الزواج خلال شهرين، كنت أتحدث مع خطيبتي عن أمور المعاشرة الزوجية، فاكتشفت أنها تريد مني أن أضربها على جميع أنحاء جسدها، وأن أوجه لها الشتائم البذيئة! وأن أصفها بصفات بنات الليل! وأن أذلها أثناء المعاشرة، مع العلم هي تعاني من مرض الاكتئاب من عشر سنوات، ولا يوجد تحسُّن في حالتها، فبالله عليكم ماذا أفعل؟ وهل لو عملت معها هكذا من باب حبي لها وإشباع رغبتها الزوجية حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم مقاصد النكاح هو أن يعف الرجل نفسه، وأن تعف المرأة نفسها، وهو ما يحصل بالجماع بين الزوجين، وبه تكتمل صورة العفاف في الزوجين، من غض البصر، وحفظ الفرج، بل وحفظ الأعضاء جميعها من الوقوع في الزنا، فكما أن العين تزني: فإن الأذن تزني، واليد تزني، والرجل تزني، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وفضلاء الأطباء يروْن أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة.
وقال:
ومن منافعه - أي: الجماع: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه، ويقول: (حبِّب إليَّ مِن دنياكم: النساء والطيب) .
" زاد المعاد " (٤ / ٢٢٨) .
ولم تقيِّد الشريعة الزوجَ بطريقة معينة يأتي بها امرأته، بل قد نهي عن جماعها في زمن الحيض والنفاس، ونهي عن جماعها في الدبر.
ثانياً:
الكلام بين الزوجين عند الجماع بما يعينهما على قضاء الوطر، وكمال اللذة المشروعة: مباح، وربما طلب منه ـ في تلك الحال ـ ما يكون فيه من التعبير عن الحب، والعشق، والغرام بينهما، فهو أدعى للألفة والمودة بينهما، وهو يهيِّج الطرفين للجماع ليعف كل واحد منهما نفسه، ويعف زوجه.
ومقدمات الجماع من التقبيل والكلام الذي يكون بين الزوجين هو " الرفث " – على أحد الأقوال – وإنما ينهى عنه المحرم حال إحرامه، وفيه الإشارة إلى حلِّه في غير هذه الحال، وهو الثابت المعلوم من حال خير القرون ومن بعدهم، وهو المذكور في كتب الفقه أنه من آداب الجماع، ومما يزيد المحبة بين الزوجين.
قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/ من الآية ١٩٧.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما: مباشرة النساء بالجماع، ومقدماته.
والثاني: الكلام بذلك، كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا.
ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) البقرة/ ١٨٧، فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع، ومقدماته.
" أضواء البيان " (٥ / ١٣) .
ولا حرج أن يذكر الزوجان ما يهيج شهوتهما من الكلام، ولو كان بذكر ألفاظ العورة باسمها العرفي، وقد بينا جواز ذلك في جواب السؤال رقم: (٤٥٥٩٧) ، وليس في ذكر كلمات الغرام والعشق بين الزوجين حرج، وليس في ذكر العورة باسمها الصريح أو العرفي حرج إذا كان هذا يهيج الشهوة بينهما، ولله در الإمام ابن قتيبة حيث لفت النظر إلى أن ذكر الأعضاء باسمها ليس فيه إثم، إنما الإثم في قذف الأعراض، وجعل تلك الألفاظ ديدناً.
قال ابن قتيبة – رحمه الله -:
وإذا مرّ حديث فيه إفصاح بذِكر عورة، أو فرج، أو وصف فاحشة: فلا يحملنك الخشوع، أو التخاشع على أن تُصَعِّرَ خدك، وتُعرض بوجهك؛ فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم، وإنما المأثم في شتم الأعراض، وقول الزور، والكذب، وأكل لحوم الناس بالغيب.
" عيون الأخبار " (١ / المقدمة صفحة ل) .
وقال – رحمه الله -:
لم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هِِجّيراك [يعني: عادتك] على كل حال، وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها، أو رواية ترويها تنقصها الكناية، ويذهب بحلاوتها التعريض.
" عيون الأخبار " (١ / المقدمة صفحة م) .
وهذه الإباحة بين الزوجين في الكلام عند الجماع لا ينبغي أن تتحول إلى سب وقذف بالمحرم والفحش، حتى ولو لم يكن يريد حقيقة السب، وإنما يريد التصريح بذلك الكلام، فليس من عادة المؤمن أن يعود لسانه السب والقذف.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَعَّانِ وَلَا الَلَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ) .
رواه الترمذي (١٩٧٧) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وفي هذه الأفعال مشابهة لأهل الفساد من الزواني والزانيات، ولا يليق بالمسلم أن يجعل فراش الزوجية الطاهر كحال ما يحدث في بيوت الدعارة بين الساقطين والساقطات، فهم أحق بتلك الألفاظ، وأهل لها، لا امرأته العفيفة الطاهرة.
ثم إنه يُخشى من اعتياد الزوجين على هذه الكلمات، فتصبح علاقتهما من غيرها باردة، وجافة، أو تصبح عادة لهما في حياتهما في غير وقت الجماع، خاصة إذا حدث شجار، أو تقلبت النفوس والقلوب؛ وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على متأمل.
على أن الذي أفزعنا في سؤالك حقا، يا عبد الله، هو حديثك مع خطيبتك في هذه الأمور، وبهذه الصراحة، وهي جرأة منكما لا تحمدان عليها، بل تذمان بها كل الذم؛ فكيف تسمح لنفسك بالكلام في ذلك مع خطيبتك، وهي امرأة أجنبية عنك، وكيف تسمح ـ هي أيضا ـ بالكلام في ذلك، وبكل هذه الصراحة معك، وأنت رجل أجنبي عنها، ثم كيف تتاح لكما فرصة الخلوة التي تتمكنان فيها من هذا الحديث الذي يستحيل أن يذكر، ولو بالتلميح أمام غيركما.
إن هذا السؤال يدل على أنكما تساهلتما كثيرا في طبيعة العلاقة بينكما، وتعديتما حدود الله تعالى فيما بينكما، فألقى الشيطان في قلوبكما من جمار الشهوة ما تظنان أنها لا يطفئها شيء مما اعتاد الناس، فرحتما تبحثان عن كل غريب، ولو شاذا!!
فالواجب عليكما أن تضعا حدا لهذه المخالفات، وتتوبا إلى الله عز وجل من ذلك التعدي الذي وقعتما فيه؛ ولتعلما أن ما بقي أمامكما شيء يسير، فاصبرا حتى يجمع الله بينكما على ما يحب ويرضى من الحلال الطيب، وساعتها سوف تعلمان أن أمر العفة لا وقضاء الوطر الحلال، لا يحتاج إلى كل ذلك: " وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ".
وانظر حول العلاقة بالمخطوبة جواب السؤال رقم (٢٥٧٢) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب